للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السابقة، تتساءل: وما أثر ذلك في دميته؟ وهل هناك ما يلقي ضوءا على العلوم التي جناها؟ فمن البديهي أن تنطبع في نتاج الكاتب الثقافات التي جمعها، والفنون التي عاصرته.

أوّل ما يطالعنا في الدمية أنّ صاحبها حافظ القرآن والحديث، مطّلع على الأدبين الجاهلي والإسلامي، ناهيك عن أدب عصره الذي عاشه ونقله، فتناقله الناس عنه. ثم هو نقّاد لغوي وأدبي وبلاغي، إذ كانت ثقافة الأديب في العصر العباسي هي «الأخذ من كلّ علم طرفا» . وبعد أن ننعم النظر في الدمية نعلم أنّ الباخرزي أديب ناضج الأدب، متصنّع تامّ الصنعة (وذلك بما يناسب رغبات الفترة التي عاشها) ، عليم بحاجات العصر الأدبيّة.

ونكتشف في الباخرزي مقدرة على سكب معرفته في قالب كتاباته، فنراها معروضة عرضا مباشرا حينا، وحينا آخر منثورة نثرا غير مباشر، فقد يستشهد بالآية أو بالبيت أو بالخبر استشهادا «١» ، أو يقتطع بعض ما يستشهد به أو يلمّح عنه تلميحا «٢» . ويدلّ إكثاره هذا على مقدرة بارعة في الباخرزي أو تعمد وتظاهر.

وقد نجده يكتشف سرقة أو اقتباسا أو تضمينا؛ فإذا مرّ ببيت البركزدري:

تفث المرء حيث يقضى حلال ... وجمال يحقّ أن نقتنيه

فإنه سرعان ما يقول لك: «قد أحسن الإقتباس» «٣» .

ومقدرته على الكشف ليست في القرآن وحسب، بل يتعدّى ذلك إلى الأدب عامة، شعره ونثره وأخباره. وهو عندما يريد أن يكتب أو يترجم لأحد من الأدباء نراه يكثر من الامثال العربية مبذولة في عرض كلامه، كقوله:

«فأجراها أحسن مجاريها، وقل في القوس أعطيت يد باريها» من المثل المعروف:

«أعط القوس باريها» . وهو عندما يريد أن يعرّف بأحد الشعراء، لا يقول

<<  <  ج: ص:  >  >>