للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكمه الذي يبديه، نتيجة للموازنة والمقارنة، هو الحكم النهائي دون أن يسجّل لنا رأي ناقد أو أديب في الموضوع ذاته. وقد لا يكتفي بهذا الحكم بل يبدي رأيه في المناقضة، ويوازن بين الشاعرين. ويشير إلى نقطة ضعف أحدهما من حيث اللفظ أو من حيث المعنى، ويتذكر في مثل هذا الموقف أنه قال شبيه هذا المعنى فيورده حسما للموقف على أنه المعنى الفصل. كموازنته موضوع العناق الذي أجراه بين أبي الجوائز الواسطي وابن هندو، ونتيجته التي أوردها ببيتين من عنده. ومثل ذلك كثير في الدمية.

أما الموازنة بين الشعراء المعاصرين والقدماء فنموذج حسن من التذوق الأدبي لربطه بين شعراء عصره والشعراء السابقين، وقد عانى الباخرزي هذا النموذج وتلمّس حقائقه. وقد كانت الأسماء: بشار، وابن المعتز، والمتنبي، والمعري، وأبا تمام، والبحتري، وامرأ القيس، وابن الدومي، والوأواء، والهمداني، ووالديه، مبثوثة ضمن مقارنات وموازنات حسب حاجة الموقف.

فهو أحيانا يقارن شعر أحد الشعراء بشعر أحد الفحول ليعرّف القرّاء بمكانته. فيقول في حمد بن فورجة البروجرذي: «وشعره فرخ شعر الأعمى، أعني شاعر معرة النعمان. وان كان هذا الفاضل منزها عن معرّة العميان» .

غير أنه لم يذكر وجه التشابه والمقارنة، ولا وجه الخلاف بينهما. وأنت اذا لا حظت موازنة بين بيتين لشاعرين دون أن يحكم على أحدهما «١» ، فانك تلاحظ في كثير من الأحيان أنه يحكم لمعاصره على القدماء، حتى ولو كانوا سادة الشعر في الأدب العربي، فقد أورد بيت التهامي:

وغادرت في العدا طعنا يحفّ به ... ضرب كما حفّت الأعكان بالسرر

قال: «هذا والله هو المعنى البديع.. وقد كان يملكني الاعجاب بقول ابن المعتز:

وتحت زنانير شددن عقودها ... زنانير أعكان معاقدها السرر

<<  <  ج: ص:  >  >>