للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبيات. وهي كذلك صورة كاملة وواضحة لاتجاه عصره الفني من حيث الصنعة والمعاظلة والتلاعب اللفظي.

أ- الصنعة اللفظيّة:

التلاعب اللفظي والميل إلى الصنعة الأسلوبية، والاغتراف من أبواب علم البديع- كما هو جليّ تماما- من أهم مزايا عصره التي تطبع مؤلف الدمية بها، والتي غدت، فيما بعد، أسّا من أسس الأدب في عصري المماليك والعثمانيين، وهو كثيرا ما يعبّر عن اعجابه بصنعة الشعراء، بل يعتبر مستخدميها فحولا، لأنهم أوتوا المقدرة على خلق الجديد في عصرهم.

والصنعة عندهم في التلاعب اللفظي غالبا كتعريفه بأبي علي الحسن حيث يقول:

«مؤدب لغويّ بطرح اللام، عنيت أنه غويّ في مسالك الكلام» «١» . حيث نلاحظ توازنا مزدوجا في هذه الجملة بين الياء والميم وجناسا ناقصا بين «لغوي» و «غوي» ، وبين «اللام» و «الكلام» . ويطيب له قلب الكلام إذا وجده عند أحدهم، كقول أبي نصر أحمد في بيته:

وآلم القلب، ولا غرو إذ ... كلّ ملوم قلبه مولم

بقوله: «وصنعة البيت.. أن الملوم مولم القلب.. فاذا قلبت صورته كان قلبه أيضا مؤلمّا، يعني مقلوبة «٢» . وأبرز مجال يظهر فيه تلاعبه بالألفاظ هو في حديثه عن الشعراء مادحا إياهم بألفاظ ليس فيها إلا البراعة وحسن قلب الألفاظ مما سنراه بعد حين.

والسجع من أهمّ الأمور التي اهتمّ بها وعكف عليها. ونادرا ما نقرأ أسطرا من نثره خالية منه، بل إنه يكاد لا يأتي به إلا مشفوعا بتوازن في الجمل كقوله عندما يحدثنا عن كتاب «معجم الشعراء» في أثناء بحثه فيه عن «محمد ابن ابراهيم» : «فكاد الحرص يريشني في طلبه، لعلّي أعثر باسمه ولقبه، وأقف على مقدار أدبه. وما زالت الأيام تعدني فيه مواعيد عرقوب أخاه، وأنا أتحرّاه من خزائن الكتب وأتوخّاه» . ولولا الوزن الشعري لقلنا إنّ نثره شعر من

<<  <  ج: ص:  >  >>