للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الشعر الذي يجمعه. وقد انتفعنا بهذا الأسلوب، إذ وضّح لنا كثيرا من الألفاظ الغامضة أو المطموسة أو المهترئة من التي كانت تمرّ بنا في النسخ الخطية، فقد عرفنا من توازن الجملة أو من تناسق اللفظة المسجوعة ما غمض من كلامه وسهل علينا معرفة أية لفظة من الجملة التالية، فيما إذا حيل علينا كشف بعض حروفها: «فهو على نسج القوافي مطبوع، ونسجه للقوافي مصنوع» «١» .

وقد يكرر الكلمة الواحدة عدة مرات تلذذا بما تلقي على مسامعه من الموسيقا.

وبما تعطيه من صنعة مسجوعة، معتمدا في ذلك على معان متعددة للكلمة الواحدة، كقوله في عبد الصمد الطبري، وانظر استخدامه لكلمة «خال» : «هو لناصح الدولة.. من حيث النسب خال، ولخدّ الظرف من حيث الزينة خال، ولشائم برق الفضل من حيث النجعة خال» «٢» ، فهو قد جانس بين ثلاثة معان لها، فالأولى: أخو الأم، والثانية: الخال في الوجه، والثالثة: سحاب لا يخلفه مطر.

وإن كنا ذكرنا نموذجا من ألوان البديع في فصل «منهج النقد» فان ذكرنا إياه عبارة عن وصف الثوب الذي ألبس به نثره. فمراعاة النظير من أهم فصول الصنعة في أسلوبه، ويبدي له اعجابه الكامل بمستخدمه، ف «ما أحسن ما لفّق بين البيضة والطير والشبكة!» في قول منصور بن ممكان:

متى اكترفته بيضة الخدر رفرفت ... حواليه طير للقلوب فتشبك

ويأخذه العجب إذا ظفر بتلاعب لفظي نتج عنه طباق جميل في شعر شرف السادة البلخي بقوله في الأتراك:

بأوساط الفلاء لهم بيوت ... تحصّنها بأطراف السهام

فيعلق عليه بقوله: «وما أحسن ما لفّق بين الأوساط وبين الأطراف!» .

<<  <  ج: ص:  >  >>