للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حضر مدحه ذمّه وإن سئل عنه همزه، وإن كانت عنده شهادة كتمها، وإن كانت منه إليه زلّة عظّمها، [وقال: إنّه] يحب أن يعاد ولا يعود، ويرى عليه العقود.

وإن كان المحسود عالما قال: مبتدع، ولرأيه متّبع، خاطب ليل ومبتغي نيل، لا يدرى ما حمل، قد ترك العمل، وأقبل على الحيل. قد أقبل بوجوه النّاس إليه، وما أحمقهم إذ انثالوا عليه. فقبحه الله من عالم ما أعظم بليّته، وأقلّ رعته، وأسوأ طعمته.

وإن كان الحسود ذا دين قال: متصنّع يغزو ليوصى إليه، ويحجّ ليثنى بشيء عليه، ويصوم لتقبل شهادته، ويظهر النّسك ليودع المال بيته، ويقرأ في المسجد ليزوّجه جاره ابنته، ويحضر الجنائز لتعرف شهرته.

وما لقيت حاسدا قطّ إلّا تبيّن لك مكنونه بتغيّر لونه وتخوّص عينه وإخفاء سلامه، والإقبال على غيرك والإعراض عنك، والاستثقال لحديثك، والخلاف لرأيك.

وكان عبد الله بن أبيّ، قبل نفاقه، نسيج وحده لجودة رأيه وبعد همّته، ونبل شيمته، وانقياد العشيرة له بالسّيادة، واذعانهم له بالرّياسة. وما استوجب ذلك إلّا بعدما استجمع له لبّه، وتبيّن لهم عقله، وافتقدوا منه جهله، ورأوه لذلك أهلا، لمّا أطاق [له] حملا. فلما بعث الله نبيّه صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة، ورأى هو عزّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شمخ بأنفه فهدم إسلامه لحسده، وأظهر نفاقه. وما صار منافقا حتّى كان حسودا، ولا صار حسودا حتّى صار حقودا. فحمق بعد اللّبّ، وجهل بعد العقل، وتبوّأ النّار بعد الجنّة.

ولقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فشكاه الى الانصار،

<<  <   >  >>