للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكانا، وأنت لاه عنه زار عليه متهاون به، قد اقبلت على ديوانك تشغل بملازمته وتدع ما يجب عليك من صفاته، والدّعاء إلى تعظيمه. بل هل كنت من شيعته والذابّين عن دولته، والمعروفين بالانقطاع إليه، والانبتات في حبله، إلّا أن يكون عندك التقصير لحقّه، والتّهاون بأمره اللازم، ونهي الناس عنه.

ولو خرجت إلى هذا لخرجت من جميع الأخلاق المحمودة، والأفعال المرضية. وأحسب أنّك لا تعظّمه ولا ترقّ له. ولو لم تتعصّب إلّا لجماله وحسنه، ولو لم تحافظ على نقائه وعتقه لكان ذلك واجبا، وأمرا معروفا.

فكيف مع المناسبة التي بينكما، والشّكل الذي يجمعكما. فإن كان بعضك لا يصون بعضا وأنت لا تعظّم شقيقا، فأنت والله من حفظ العشيرة أبعد، ولمعرفة الصّديق أنكر.

ولقد نعيت إليّ لبّك، وأثكلتني حفاظك، وأفسدت عندي كلّ صحيح.

وقد كان يقال: «لا يزال النّاس بخير ما تعجّبوا من العجب» . قال الشاعر:

وهلك الفتى أن لا يراح إلى النّدى ... وأن لا يرى شيئا عجيبا فيعجبا

قال بكر بن عبد الله المزنيّ: «كنا نتعجّب من دهر لا يتعجّب أهله من العجب فقد صرنا في دهر لا يستحسن أهله الحسن. ومن لا يستحسن الحسن لم يستقبح القبيح» .

وقال بعضهم: «العجب ترك التعجّب من العجب» .

ولم أقل ذلك إلّا لأن تكون به ضنينا، وبما يجب له عارفا. ولكنّك لم توفّر حقّه ولم توف نصيبه.

فإن قلت: ومن يقضي واجب حقّه، وينتهض بجميع شكره؟ قلنا:

فهل أعذرت في الاجتهاد حتّى لا يذمّ إلّا تعجّبك، وهل استغرقت الاعتذار

<<  <   >  >>