للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[١١- اهداء النبيذ دليل على المودة والتقدير]

وهذا الشراب حسن وهو عندك أحسن، والهديّة منه شريفة وهي منك أشرف.

وإن كنت قدّرت أنّي إنّما طلبته منك لأشربه أو لأسقيه، أو لأهبه، أو لأتحسّاه في الخلا، أو أديره في الملا أو لأنافس فيه الأكفاء، واجترّ زيادة الخلطاء، أو لأبتذله لعيون النّدماء، أو أعرّضه لنوائب الأصدقاء فقد أسأت بي الظنّ، وذهبت من الإساءة بي في كلّ فنّ، وقصّرت به فهو أشدّ عليك، ووضعت منه فهو أضرّ بك.

وإن ظننت أنّي إنما أريده لأطرف به معشوقة، أو لأستميل به هوى ملك، أو لأغسل به أوضار الأفئدة، أو أداوي به خطايا الأشربة، أو لأجلو به الأبصار العليلة، وأصلح به الأبدان الفاسدة، أو لأتطوّع به على شاعر مفلق أو خطيب مصقع، أو أديب مدقع، ليفتق لهم المعاني، وليخرج المذاهب، ولما في جانبهم من الأجر، وفي أعناقهم من الشكر، ولينفضوا ما قالت الشعراء في الحمد، وليرتجعوا ما شاع لهم من الذّكر؛ فإنيّ أريد أن أضع من قدرها، وإن أكسر من بالها، فقد تاهت وتيه بها. أو لأن أتفاءل برؤيته وأتبرّك بمكانه، وآنس بقربه، أو لأشفي به الظماء، أو أجعله إكسير أصحاب الكيمياء، أو لأن أذكرك كلّما رأيته، وأداعبك كلّما قابلته أو لأجتلب به اليسر وأنفي العسر. ولأنّه والفقر لا يجتمعان في دار، ولا يقيمان في ربع.

ولأتعرّف به حسن اختيارك، وأتذكّر به جودة اجتبائك. أو لأن أستدلّ به على خالص حبّك، وعلى معرفتك بفضلي، وقيامك بواجب حقّي- فقد أحسنت بي الظنّ، وذكرت من الإحسان في كلّ فن. بل هو الذي أصونه صيانة الأعراض، وأغار عليه غيرة الأزواج.

<<  <   >  >>