للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحد من خلقه إيمانا إلّا بالإقرار، وجعل مسلكه اللّسان، ومجراه فيه البيان، وصيّره المعبّر عمّا يضمره والمبين عمّا يخبره، والمنبىء عن ما لا يستطيع بيانه إلّا به. وهو ترجمان القلب. والقلب وعاء واع.

ولم يحمد الصّمت من أحد إلّا توقّيا لعجزه عن إدراك الحقّ والصّواب في إصابة المعنى. وإنّما قاتل النبيّ صلى الله عليه وسلم المشركين عند جهلهم الله تعالى وإنكارهم إياه، ليقرّوا به، فإذا فعلوه حقنت دماؤهم، وحرّمت أموالهم، ورعيت ذمّتهم. ولو أنّهم سكتوا ضنّا بدينهم لم يكن سبيلهم إلّا العطب.

فاعلم أنّ الكلام من أسباب الخير لا من [أسباب] الشر.

والكلام- أبقاك الله- سبيل التمييز بين الناس والبهائم، وسبب المعرفة.

لفضل الآدميّين على سائر الحيوان، قال الله عز وجلّ: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

. كرّمهم باللسان وجمّلهم بالتدبّر.

[٧- الكلام آلة الشكر]

ولو لم يكن الكلام لما استوجب أحد النّعمة، ولا أقام على أداء ما وجب عليه من الشّكر سببا للزّيادة، وعلّة لامتحان قلوب العباد. والشكر بالإظهار في القول، والإبانة باللّسان. ولا يعرف الشكر إلّا بهما.

والله تعالى يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ

، فجعل الشّكر علّة لوجوب الزّيادة، عند إظهاره بالقول، والحمد مفتاحا للنّعمة.

وقد جاء في بعض الآثار: لو أنّ رجلا ذكر الله تعالى وآخر يسمع له كان المعدود للمستمع من الأجر، والمذكور له من الثّواب واحدا وللمتكلّم به عشرة أو أكثر.

<<  <   >  >>