للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلامه وبيانه كفضله على المبعوث إليه، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم أفصح العرب لسانا، وأحسنهم بيانا، وأسهلهم مخارج للكلام وأكثرهم فوائد من المعاني؛ لأنه كان من جماهير العرب، مولده في بني هاشم، وأخواله من بني زهرة، ورضاعه في بني سعد بن بكر، ومنشؤه في قريش، ومتزوّجه في بني أسد بن عبد العزّى، ومهاجره إلى بني عمرو، وهم الأوس والخزرج من الأنصار. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش، ونشأت في بني سعد بن بكر» .

ولو لم يكن ممّا عددنا من هؤلاء الأحياء إلّا قريش وحدها لكان فيها مستغنى عن غيرها، وكفاية عن من سواها، لأنّ قريشا أفصح العرب لسانا وأفضلها بيانا، وأحضرها جوابا، وأحسنها بديهة، وأجمعها عند الكلام قلبا.

ثم للعرب أيضا خصال كثيرة، ومشاهد كثيرة، ممّا يشاكل هذا الباب، ويضارع هذا المثال، حذفت ذكرها خوف التطويل فيها.

فصل منه: فهذه كلّها دلائل على دحض حجّتك ونقض قضيّتك.

وإنّما أرسل الله تعالى رسله مبشّرين ومنذرين الأمم، وأمرهم بالإبلاغ ليلزمهم الحجّة بالكلام لا بالصّمت، إذ لا يكون للرّسالة بلاغ ولا للحجّة لزوم ولا للعلّة ظهور إلّا بالنّطق.

فصل منه: وليس يقوى على ذلك إلّا امرؤ في طبيعته فضل عن احتمال نحيزته وفي قريحته زيادة من القوّة على صناعته، ويكون حظّه من الاقتدار في المنطق فوق قسطه من التغلّب في الكلام، حتّى لا يضع اللّفظ الحرّ النبيل إلّا على مثله من المعنى، ولا اللفظ الشريف الفخم إلّا على مثله من المعنى.

نعم، وحتّى يعطى اللّفظ حقّه من البيان، ويوفّر على الحديث قسطه من الصّواب، ويجزل للكلام حظّه من المعنى، ويضع جميعها مواضعها، ويصفها بصفتها، ويوفّر عليها حقوقها من الإعراب والإفصاح.

<<  <   >  >>