للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلقه خير من جديد غيره. وصداقة المتطرّف غرور، وملالة الصّديق أفن، والعلم بأقدار الذّنوب غامض، وحدود الذنوب في العقاب خفيّة. ولن يعرف العقاب من يجهل قدر الذّنب. والأجرام كثيرة الأشكال، ومتفاوتة في الأقدار. وإذا أردت أن تعرف مقدار الذنب إليك من مقدار عقابك عليه فانظر في علّته وسببه، وإلى معدنه الذي منه نجم، وعشّه الذي منه درج، ومغرسه الذي منه نبت، وإلى جهة صاحبه في التّتابع والتّترّع، وفي النزوع والثّبات، وإلى قحته عند التقريع، وإلى حيائه عند التعريض، وإلى فطنته عند الرشق والتورية؛ فإنّ فضل الفطنة ربّما دلّ على فرط الاكتراث، وعلى قدر الاكتراث يكون الإقدام والإحجام. فكلّ ذنب كان سببه الدالّة وضيق صدر وغلظ طباع وحدّة مرار، من جهة تأويل أو من جهة غلط في المقادير، أو من طريق [فرط] الأنفة وغلبة طباع الحميّة من بعض الجفوة أو لبعض الأثرة، أو من جهة استحقاقه عند نفسه وفيما زيّن له من عمله، وأنّه مقصّر به مؤخّر عن مرتبته، أو كان مبلّغا عنه أو مكذوبا عليه، وكان ذلك جائزا عليه غير ممتنع فيه- فإذا كانت ذنوبه من هذا الشكل وعلى هذه الأسباب، وفي هذه المجاري، فليس يقف عليها كريم، [ولا يلتفت لها حليم] .

ولست أسمّيه بكثرة معروفه كريما حتى يكون عقله غامرا لعلمه، وعلمه غالبا لطبعه، وحتى يكون عالما بما ترك، وعارفا بما أخذ. واسم الحليم جامع للكظم، والقدرة، والفهم.

فإذا وجدت الذنب بعد ذلك لا سبب له إلّا البغضة فلو لم ترض لصاحبه بعقاب دون قعر جهنم لعذرك كثير من العقلاء، ولصوّب رأيك عالم من الأشراف.

ومتى كانت (علّته طبيعة البذاء، وخلقه الشّرارة والتسرّع، فاقتله قتل العقارب، وادمغه دمغ رؤوس الحيات.

<<  <   >  >>