للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٨- ابن الزيات يعيب ورق كتب الجاحظ]

وما عليك أن تكون كتبي كلها من الورق الصّينيّ، ومن الكاغد الخراسانيّ؟! قل لي: لم زيّنت النّسخ في الجلود، ولم حثثتني على الأدم، وأنت تعلم أنّ الجلود جافية الحجم، ثقيلة الوزن، إن أصابها الماء بطلت، وإن كان يوم لثق استرخت. ولو لم يكن فيها إلّا أنّها تبغّض إلى أربابها نزول الغيث، وتكرّه إلى مالكيها الحيا، لكان في ذلك ما كفى ومنع منها.

قد علمت أنّ الورّاق. لا يخطّ في تلك الأيام سطرا، ولا يقطع فيها جلدا. وإن نديت- فضلا على أن تمطر، وفضلا على أن تغرق- استرسلت فامتدّت. ومتى جفّت لم تعد إلى حالها إلّا مع تقبّض شديد، وتشنّج قبيح.

وهي أنتن ريحا وأكثر ثمنا، وأحمل للغش: يغشّ الكوفيّ بالواسطيّ، والواسطيّ بالبصريّ، وتعتّق لكي يذهب ريحها وينجاب شعرها. وهي أكثر عقدا وعجرا، وأكثر خباطا وأسقاطا، والصّفرة إليها أسرع، وسرعة انسحاق الخطّ فيها أعمّ. ولو أراد صاحب علم أن يحمل منها قدر ما يكفيه في سفره لما كفاه حمل بعير. ولو أراد مثل ذلك من القطنيّ لكفاه ما يحمل مع زاده.

وقلت لي: عليك بها فإنها أحمل للحكّ والتغيير، وأبقى على تعاور العاريّة وعلى تقليب الأيدي، ولرديدها ثمن، ولطرسها مرجوع، والمعاد منها ينوب عن الجدد. وليس لدفاتر القطنيّ أثمان في السّوق وإن كان فيها كلّ حديث طريف، ولطف مليح، وعلم نفيس. ولو عرضت عليهم عدلها في عدد الورق جلودا ثم كان فيها كلّ شعر بارد وكلّ حديث غثّ، لكانت أثمن، ولكانوا عليها أسرع.

وقلت: وعلى الجلود يعتمد في حساب الدواوين، وفي الصّكاك

<<  <   >  >>