للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يقوم لها الحجر القاسي، ولا الجبل الراسي. فلم تدع غاية في صرف ما بين طبقات التعذيب إلّا أتيت عليها، ولا فضول ما بين قواصم الظهر إلّا بلغتها. فقد متّ الآن فمع من تعيش؟ [بل قد قتلتني فمن الآن تعاشر!] ، كما قال ديوست المغنّي لكسرى حين أمر بقتله لقتله تلميذه بلهبذ: قتلت أنا بلهبذ، وتقتلني، فمن يطربك؟ قال: خلّوا سبيله؛ فإنّ الذي بقي من عمره هو الذي أنطقه بهذه الحجّة.

ولكنّي أقول: قد قتلتني فمع من تعيش؟ أمع الشّطرنجيّين؟! فقد قال جالينوس: إيّاك والاستمتاع بشيء لا يعمّ نفعه.

إنّ الكلام إنما صار أفضل من الصّمت؛ لأنّ نفع الصمت لا يكاد يعدو الصّامت، ونفع الكلام يعمّ القائل والسامع، والغائب والشاهد، والراهن والغابر.

وقالوا: ومما يدلّ من فضل الكلام على الصمت، أنّك بالكلام تخبر عن الصّمت وفضله، ولا تخبر بالصّمت عن فضل الكلام. ولو كان الصمت أفضل لكانت الرسالة صمتا، ولكان عدم القرآن أفضل من القرآن.

وقد فرّق بينهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفصّل وميّز وحصّل، حيث قال: «رحم الله امرأ قال خيرا فغنم، أو سكت فسلم» .

فجعل حظّ السكوت السلامة وحدها، وجعل حظّ القول الجمع بين الغنيمة والسلامة. وقد يسلم من لا يغنم، ولا يغنم إلّا من سلم.

فأمّا الدوابّ فمن يضع المركب الكريم إلى الصّاحب الكريم؟ ومن يعدل إمتاع بهيمة بإمتاع أديب.

قالت ابنة النّعمان: لم نر فيما جرّبنا من جميع الأصناف أبلغ في خير وشرّ من صاحب.

<<  <   >  >>