للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس يصارع الغضب أيام شبابه وغرب نابه شيء إلّا صرعه، ولا ينازعه قبل انتهائه وإدباره شيء إلّا قهره. وإنّما يحتال له قبل هيجه، ويتوثّق منه قبل حركته، ويتقدّم في حسم أسبابه وفي قطع علله- فأمّا إذا تمكّن واستفحل، وأذكى ناره واشتعل، ثم لاقى ذلك من صاحبه قدرة، ومن أعوانه سمعا وطاعة، فلو سعطته بالتوراة، ووجرته بالإنجيل، ولددته بالزّبور، وأفرغت على رأسه القرآن إفراغا، وأتيته بآدم عليه السلام شفيعا لما قصّر دون أقصى قوّته، ولتمنّى أن يعار أضعاف قدرته.

وقد جاء في الأثر: أن أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب.

قال قتادة: ليس يسكن الغضب إلّا ذكر غضب الرحمن عزّ وجلّ.

وقال عمرو بن عبيد: ذكر غضب الربّ يمنع من الغضب. إلّا أن يريد الذكر باللسان.

ويسمّى المتوجّد غضبان، والذّكور حقودا.

فلا تقف- حفظك الله- بعد مضيّك في عقابي التماسا للعفو عنيّ، ولا تقصّر عن إفراطك من طريق الرحمة لي؛ ولكن قف وقفة من يتّهم الغضب على عقله، والشيطان على دينه، ويعلم أنّ للعقل خصوما، وللكرم أعداء.

وإنّ من النّصف أن تنتصف لعقلك من خصمه، وتنتصف لكرمك من عدوّه، وتمسك إمساك من لا يبرّىء نفسه من الهوى، ولا يبرّىء الهوى من الخطأ.

[١٢- علاقة الاسماء بالمعاني]

ولا تنكر لنفسك أن تزلّ، ولعقلك أن يهفو؛ فقد زلّ آدم عليه السلام وهفا، وعصى ربّه وغوى، وغرّه عدوّه وخدعه خصمه، وعيب باختلال عزمه

<<  <   >  >>