للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فان كنت لم أقصر عن الغاية، ولم أتجاوز حد النهاية، فبما أعرف من يمن مكالمتك وبركة مكاتبتك، ومن حسن تقويمك وجودة تثقيفك. وإن كنت قد أخطأت الطريق، وجاوزت حد المقدار، فما كان ذلك عن جهل بفضلك ولا إنكار لحقك، ولكن حدود الأشياء إذا خفيت ومقاديرها إذا أشكلت، ولم يكن مع الناظر فيها مثل تمامك، ولا مع المتكلف لها مثل كمالك، دخل عليه من الخلل بقدر عجزه، وسلم منه بقدر نفاذه، نعم ولو كان من العلماء الموصوفين والأدباء المذكورين.

ومن المزاح جعلت فداك باب مكر وجنس خدع يتكل المرء في إساءته إلى جليسه وإسماعه لصديقه على أن يقول: مزحت، وعلى أن يقول عند المحاكمة: عبثت، وعلى أن يقول: من يغضب من المزاح إلا كز الخلق، ومن يرغب عن المفاكهة إلا ضيق العطن. وبعد فمتى أعدت النفس عذرا كانت إلى القبيح أسرع ومتى لم تجده كانت عنه أبطأ. ومن أسباب الغلط فيه ومن دواعي الخطأ إليه أن كثيرا ممن تمازحه يضحك وإن كنت قد أغضبته، ولا يقطع مزاحك وإن كنت قد أوجعته، فإن حقد ففي الحقد الداء، وإن عجل فذلك البلاء.

فان قلت: فما أدخلك في شيء هذا سبيله وهكذا جوهره وطريقه؟

قلت: لأني حين أمنت عقاب الإساءة ووثقت بثواب الإحسان وعلمت أنك لا تقص إلا على العمد، ولا تعذب إلا على القصد، صار الأمن سائقا والأمل قائدا. وأي عمل أردّ وأي متجر أربح مما جمع السلامة والغنيمة والأمن والمثوبة. ولو كان هذا ذنبا لكنت شريكي فيه، ولو كان تقصيرا لكنت سببي إليه، لأن دوام التغافل شبيه بالإهمال، وترك التعريف يورث الإغفال، والعفو المتتابع والبشر الدائم يؤمنان من المكافأة ويذهبان بالتحفظ. ولذلك قال عيينة بن حصن لعثمان بن عفان رضي الله عنه: عمر كان خيرا لي منك،

<<  <   >  >>