للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسناء، وصرت كمن يشفي غيظا أو يداوي حقدا أو يظهر القدرة أو يجب أن يذكر بالصولة. ولم نجدهم أبقاك الله يحمدون القدرة إلا عند استعمالها في الخير، ولا يذمون العجز إلا لما يفوت به من إتيان الجميل. وأنى لك بالعقاب وأنت خير كلك، ومن أين اعتراك المنع وأنت أنهجت الجود لأهله، وهل عندك إلا ما في طبعك، وكيف لك بخلاف عادتك، ولم تستكره نفسك على المكافأة وطباعها الصفح، ولم تكدّها بالمنافسة ومذهبها المسامحة؟! فسبحان من جعل أخلاقك وفق أعراقك وقولك وفق عملك، ومن جعل ظنك أكثر من يقيننا، وفراستك أثبت من عياننا، وعفوك أرجح من جهدنا، وبداهتك أجود من تفكرنا، وفعلك أرفع من وصفنا، وغيبتك أهيب من حضور السادة، وعتبك أشد من عقاب الظلمة. وسبحان من جعلك تعفو عن المتعمد، وتتجافى عن عقاب المصرّ، وتتغافل عن المباديء، وتصفح عن المتهاون، حتى إذا صرت إلى من ذنبه نسيان وتوبته إخلاص وهفوته بكر وشفيعه الحرمة، ومن لا يعرف الشكر إلا لك، ولا الأنعام إلا منك، ولا العلم إلا من تأديبك، ولا الأخلاق إلا من تقويمك، لم يقصر في بعض طاعتك إلا لما رأى من احتمالك، ولا نسي بعض ما يجب لك إلا لما داخله من تعظيمك، صرت تتوعد بالصرم وهو دليل كل بلية، وتستعمل الإعراض وهو قائد كل هلكة. وقد علمت أن عتابك أشد من الصريمة، وأن تأنيبك أغلظ من العقوبة، وأن منعك إذا منعت في وزن إعطائك إذا أعطيت، وأن عقابك على حسب ثوابك، وأن جزعي من حرمانك في وزن سروري بفوائدك، وأن شين غضبك كزين رضاك، وأن موت ذكري بانقطاع سببي منك كحياة ذكري مع اتصال سببي بك، ومالي اليوم عمل أنا إليه أسكن ولا شفيع أنا به أوثق من شدة جزعي من عتبك وإفراط هلعي من خوفك، ولست ممن إذا جاد بالصفح ومنّ بالعفو لم يكن لصاحبه منه إلا السلامة وإلا النجاة من الهلكة، بل تشفع ذلك بالمراتب الرفيعة والعطايا الجزيلة والعز في العشيرة

<<  <   >  >>