للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيب له وخصلة ينبغي ان تعرفها وتصطنعها وتذكرها وتقف عندها وهي ان تبدأ من العلوم بالمهم، وان تختار من صنوفه ما انت له انشط والطبيعة به اعنى، فإن القبول على قدر النشاط، والبلوغ فيه على قدر العناية. ثم من أفضل أسبابه تخليص أخلاطه وتمييز أجناسه والمعرفة باقداره حتى تعطي كل معنى حقه من التقريب والرفعة، وقسطه من الإبعاد والضعة وحتى لا تتشاغل إلا بالسمين الثمين وبالخيطر النفيس، ولا تلقى إلا الغث الخسيس والحقير السخيف، فانك متى كنت كذلك لم تميز فضل ما بين النظرين ولا فرق ما بين النعتين. والكيس كل الكيس والحذق كل الحذق أن لا تعجل ولا تبطيء وأن تعلم أن السرعة غير العجلة، وأن تعلم أن الأناة خلاف الإبطاء، وأن تكون على يقين من درك الحق إذا وفيته شرطه، وعلى ثقة من ثواب النظر إذا أعطيته حقه.

[٤٣- الخاتمة!

هذا جملة العذر في هذه الرسالة، وجملة الحجة فيما قدمنا من الافتنان والإطالة. فان كنا أصبنا فالصواب أردنا وإلى غايته أجرينا، وإن كنا قد أخطأنا فما ذلك عن فساد من الضمير ولا عن قلة احتفال بالتقصير. ولعل طبيعة خانت، أو لعل علة حدثت، أو لعل سهوا اعترض، أو لعل شغلا منع.

خفض عليك أيها السامع فان الخطأ كثير غامر ومستول غالب، والصواب قليل خاص ومقموع مستخف. فوجه اللائمة الى أهلها وألزمها من هو أحق بها، فإنهم كثير ومكانهم مشهور. كنت أتعجب من كل فعل خرج من العادة فلما خرجت الأفعال باسرها من العادة صارت بأسرها عجبا، فبدخول كلها في باب التعجب خرجت بأجمعها من باب العجب. وقد ذكر الله تعالى التعجب في كتابه، وقد تعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمانه، وفي الناس يومئذ

<<  <   >  >>