للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقرّب به إليه جزاء أو شكورا.

ثم لعلّه ينكفىء الى الذي اغتابه وقصبه من ساعته ويومه، فيعطيه في عدوّه الذي اغتابه عنده أيضا مثل ذلك وأكثر منه، لا لعلّه أيضا ولا مرفق ولا ربح أكثر من الذّلّة التي يجدها في نفسه، والضّعف في منّته، كما يعظّم الغنيّ بغير ثمن، ويحتقر الفقير بغير سبب، فمتى كوشف أو عوتب لبسته ذلة أخرى من الكظّة بالمعاذر الكاذبة، والاعتصام بالأيمان الفاجرة. ومن كانت هذه دربته فهو حريّ أن يطّلع على دخلة أمره، فلا يقبل منه عذر، ولا يصدّق في قول ولا حلف، وقد تسربل الذّلّة، وتدرّع الخضوع.

وليس من سوس النفس الكريمة الشّهمة، أن تلقى الناس بخلاف ما يتخلّقون به ما لم تأت ضرورة يحتاج فيها الى كيد وغيلة، او مكر وحيلة، ويثار بالغيبة فيها الرأي الأصيل من مكانه، فيفعل ذلك العاقل فيما يحلّ له ويحسن به، بعد أن تعييه الحيلة في استصلاح ذلك العدوّ بالرفق والملاينة.

وإنما قيل: «قلّ من اعتذر إلّا كذب» ، لكثرة النّطف في الناس وضعف أنفسهم على الإقرار بالذّنب، فلا ذلّة الضّعف الثاني في الاعتذار نهت عن كلفة الضّعف الأوّل في الاغتياب، ولا كلفة الضّعف الأوّل صانت عن ذلّة الضّعف الثاني.

وعلى أنّ أكثر من يعتذر إليه بقابل للعذر على حقيقة وإن أظهر القبول، لما جرّب من سخاء النّاس بالأيمان، وبعدهما من الإقرار بالذنب ما لم تأت حجة واضحة، ودليل شاهد عدل.

وإذا كانت هذه سبيل المعتذر إليه فيحقّ على المعتذر- إن كانت في نفسه قيمة- أن لا يعتذر إلّا من يحبّ أن يجد له عذرا، ولا يعجل الى المين وهو لا يجد للحجّة مكانا.

<<  <   >  >>