للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قبَاء فِي وَقت لم يكن يَأْتِيهم فِيهِ، فَخرج إِلَيْهِ الْأَنْصَار أهل قبَاء فِي جَمَاعَتهمْ وَفِي جُمْلَتهمْ الْحَارِث بْن سُوَيْد وَعَلِيهِ ثوب مورس١ فَأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عويم بْن سَاعِدَة، فَضرب عُنُقه وَقَالَ الْحَارِث: لِمَ يَا رَسُول اللَّه؟ فَقَالَ: "بقتلك المجذر بن ذياد وَقيس بْن زيد". فَمَا رَاجعه بِكَلِمَة وَقدمه عُوَيْمِر، فَضرب عُنُقه. ثمَّ رَجَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلم ينزل عِنْدهم.

وَكَانَ عَمْرو بْن ثَابت بْن وقش من بني عَبْد الْأَشْهَل يعرف بالأصيرم يَأْبَى الْإِسْلَام. فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد قذف اللَّه الْإِسْلَام فِي قلبه للَّذي أَرَادَ من السَّعَادَة بِهِ. فَأسلم وَأخذ سَيْفه وَلحق بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَاتل حَتَّى أثبت٢ بالجراح وَلم يعلم أحد بأَمْره. وَلما انجلت الْحَرْب طَاف بَنو عَبْد الْأَشْهَل فِي الْقَتْلَى يتلمسون قتلاهم، فوجدوا الأصيرم وَبِه رَمق لطيف، فَقَالُوا: وَالله إِن هَذَا الأصيرم مَا جَاءَ بِهِ؟ لقد تَرَكْنَاهُ وَإنَّهُ لمنكر لهَذَا الْأَمر. ثمَّ سَأَلُوهُ: يَا عَمْرو مَا الَّذِي جَاءَ بك إِلَى هَذَا المشهد؟ أحدب على قَوْمك أم رَغْبَة فِي الْإِسْلَام؟ فَقَالَ: بل رَغْبَة فِي الْإِسْلَام، آمَنت بِاللَّه وَرَسُوله، ثمَّ قَاتَلت مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [حَتَّى٣ أصابني مَا ترَوْنَ. فَمَاتَ من وقته، فذكروه لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَقَالَ: "هُوَ من أهل الْجنَّة". وَلم يصل صَلَاة قطّ.

وَكَانَ فِي بني ظفر رجل لَا يدرى مِمَّن هُوَ يُقَال لَهُ قزمان٤ أبلى يَوْم أحد بلَاء شَدِيدا، وَقَتَلَ يَوْمئِذٍ سَبْعَة من وُجُوه الْمُشْركين، وَأثبت جراحا، فَأُخْبِرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأَمْره، فَقَالَ: "هُوَ من أهل النَّار". وَقيل لقزمان: أبشر بِالْجنَّةِ، فَقَالَ: بِمَاذَا؟ وَمَا قَاتَلت إِلَّا عَن أَحْسَاب قومِي. ثمَّ لما اشْتَدَّ عَلَيْهِ ألم الْجراح أخرج سَهْما من كِنَانَته، فَقطع بِهِ بعض عروقه، فَجرى دَمه حَتَّى مَاتَ، وَمثل بقتلى الْمُسلمين. وَأخذ النَّاس ينقلون قتلاهم بعد انصراف قُرَيْش، فَأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يدفنوا فِي مضاجعهم بدمائهم وثيابهم لَا يغسلون.


١ مورس: مصبوغ بالورس وَهُوَ نَبَات أصفر.
٢ أثبت بالجراح: عرف بَين الْجَرْحى.
٣ زِيَادَة من ر.
٤ فِي ابْن سيد النَّاس ٢/ ٢٧: ذكره ابْن سعد فَقَالَ: قزمان بن الْحَارِث من عبس حَلِيف لبني ظفر.

<<  <   >  >>