للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونهض إِلَى الْمَدِينَة، فَلَمَّا اسْتَبْطَأَهُ أَصْحَابه، وراث١ عَلَيْهِم خَبره أقبل رجل من الْمَدِينَة، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لَقيته وَقد دخل أَزِقَّة الْمَدِينَة. وَقَالَت الْيَهُود لأَصْحَابه: لقد عجل أَبُو الْقَاسِم قبل أَن نُقِيم لَهُ حَاجته. فَقَامَ أَصْحَابه ولحقوه بِالْمَدِينَةِ. فَأخْبرهُم بِمَا أوحى اللَّه عز وَجل إِلَيْهِ مِمَّا أَرَادَت الْيَهُود فعله بِهِ.

وَأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه بالتهيؤ لقتالهم وحربهم٢. وَخرج إِلَيْهِم، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم، وَذَلِكَ فِي ربيع الأول٣ أول السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة. فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُون، فَحَاصَرَهُمْ سِتّ لَيَال، وَأمر بِقطع النّخل وإحراقها، وَحِينَئِذٍ نزل تَحْرِيم الْخمر.

ودس عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول وَمن مَعَه من الْمُنَافِقين إِلَى بني النَّضِير: إِنَّا مَعكُمْ، وَإِن قوتلتم مَعكُمْ، وَإِن أخرجتم خرجنَا مَعكُمْ. فاغتروا بذلك. فَلَمَّا جَاءَت الْحَقِيقَة خذلوهم وأسلموهم، فَألْقوا بِأَيْدِيهِم٤. وسألوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يكف عَن دِمَائِهِمْ ويجليهم على أَن لَهُم مَا حملت الْإِبِل من أَمْوَالهم إِلَّا السِّلَاح٥. فاحتملوا٦ كَذَلِك إِلَى خَيْبَر، وَمِنْهُم من سَار إِلَى الشَّام. وَكَانَ مِمَّن سَار مِنْهُم إِلَى خَيْبَر أكابرهم حييّ بْن أَخطب، وَسَلام بْن أبي الْحقيق، وكنانة بْن الرّبيع بْن أبي الْحقيق. فدانت لَهُم خَيْبَر.

وَقسم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَال بني النَّضِير بَين الْمُهَاجِرين٧ خَاصَّة، إِلَّا أَنه أعْطى مِنْهَا أَبَا دُجَانَة سماك بْن خَرشَة، وَسَهل بْن حنيف وَكَانَا فقيرين. وَإِنَّمَا قسمهَا رَسُول اللَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم


١ راث: أَبْطَأَ.
٢ من أَسبَاب تِلْكَ الْغَزْوَة أَن بني النَّضِير كَانُوا قد خانوا عهد رَسُول الله، ودسوا إِلَى قُرَيْش فِي قِتَاله. وحضوهم على حربه، ودلوهم على الْعَوْرَة، وهم كَانُوا أَصْحَاب كَعْب بن الْأَشْرَف.
٣ هَكَذَا عِنْد ابْن إِسْحَاق أَنَّهَا كَانَت على رَأس خَمْسَة أشهر من وقْعَة أحد، وَذكر البُخَارِيّ أَنَّهَا كَانَت على رَأس سِتَّة أشهر.
٤ ألقوا بِأَيْدِيهِم: ذلوا وانقادوا.
٥ وَيُقَال أَنهم خلفوا من السِّلَاح خمسين درعا وَخمسين بَيْضَة "خوذة" وثلاثمائة وَأَرْبَعين سَيْفا.
٦ احتملوا: رحلوا. وَيُقَال أَنهم رحلوا على سَبْعمِائة بعير، وَقيل على سِتّمائَة حملوها كل مَا اسْتَطَاعُوا حَتَّى قيل أَنهم حملوها بُيُوتهم وكل مَا اسْتَطَاعُوا من أنقاضها.
٧ أوضح ابْن عبد الْبر الْعلَّة فِي ذَلِك حَتَّى يرد الْمُهَاجِرُونَ على الْأَنْصَار مَا أخذُوا من ثمارهم الَّتِي شاطروهم فِيهَا، وَمن حِينَئِذٍ وقفت الْمُوَاسَاة الَّتِي كَانَت مَفْرُوضَة عَلَيْهِم للمهاجرين.

<<  <   >  >>