للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تقسم الأَرْض كلهَا كَمَا قسم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [خَيْبَر١] لِأَن الأَرْض غنيمَة كَسَائِر أَمْوَال الْكفَّار، وَذهب مَالك إِلَى إيقافها اتبَاعا لعمر، لِأَن الأَرْض مَخْصُوصَة من سَائِر الْغَنِيمَة بِمَا فعل عمر فِي جمَاعَة من الصَّحَابَة: فِي إيقافها لمن يَأْتِي بعده من الْمُسلمين. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: لَوْلا أَنْ يُتْرَكَ آخِرُ النَّاسِ لَا شَيْءَ لَهُمْ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ قَرْيَةً إِلَّا قسمته سُهْمَانًا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَر سُهْمَانًا٢، وَهَذَا يدل على أَن أَرض خَيْبَر قسمت كلهَا سهمانا كَمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق. وَأما قَول من قَالَ إِن خَيْبَر كَانَ بَعْضهَا صلحا وَبَعضهَا عنْوَة، فقد وهم وَغلط، وَإِنَّمَا دخلت عَلَيْهِ الشُّبْهَة بالحصنين اللَّذين أسلمهما أهلهما لحقن دِمَائِهِمْ. فَلَمَّا لم يكن أهل ذَيْنك الحصنين من الرِّجَال وَالنِّسَاء والذرية٣ لضرب من الصُّلْح، وَلَكنهُمْ لم يتْركُوا أَرضهم إِلَّا بالحصار والقتال، فَكَانَ حكم أَرض ذَيْنك الحصنين كَحكم سَائِر أَرض خَيْبَر كلهَا غنيمَة مَغْلُوبًا عَلَيْهَا عنْوَة مقسومة بَين أَهلهَا. وَرُبمَا شبه٤ على من قَالَ: إِن نصف خَيْبَر صلح وَنِصْفهَا عنْوَة بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ أَنّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ خَيْبَرَ [نِصْفَيْنِ٥: نِصْفًا لَهُ، وَنِصْفًا لِلْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ] النِّصْفَ لَهُ مَعَ سَائِرِ مَنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ مَعَهُ، لأَنَّهَا قُسِمَتْ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ سَهْمًا، فَوَقَعَ سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٍ مَعَهُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا مِنْهَا، وَوقع سَائِر النَّاس فِي بَاقِيهَا، وَكلهمْ مِمَّن شهد الْحُدَيْبِيَة ثمَّ شهد خَيْبَر٦. وَلَيْسَت الْحُصُون الَّتِي أسلمها أَهلهَا [بعد٧ الْحصار والقتال صلحا، وَلَو كَانَت صلحا لملكها أَهلهَا] كَمَا يملك أهل الصُّلْح أراضيهم وَسَائِر أَمْوَالهم. فَالْحق فِي


١ زِيَادَة من ر، وَهِي هَكَذَا فِي ابْن سيد النَّاس.
٢ السهْمَان: جمع سهم.
٣ هَكَذَا فِي ابْن سيد النَّاس، وَفِي الأَصْل ور: أَنه فِي الرِّجَال والذرية والعيال.
٤ شبه عَلَيْهِ: دخلت عَلَيْهِ الشهبة.
٥ زِيَادَة من ر وَهِي هَكَذَا فِي ابْن سيد النَّاس.
٦ اعْترض ابْن سيد النَّاس على هَذِه الْعبارَة لِابْنِ عبد الْبر فَإِن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ كَانَ مِمَّن شهد الْحُدَيْبِيَة وَلم يشْهد خَيْبَر، وَقسم لَهُ الرَّسُول، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قسم لأهل السفينتين الَّذين جَاءُوا من الْحَبَشَة مِمَّن لم يشْهدُوا الْحُدَيْبِيَة وخيبر، كَمَا قسم للدوسيين والأشعريين الَّذين قدمُوا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْفَتْح.
٧ زِيَادَة من ر وَهِي هَكَذَا عِنْد ابْن سيد النَّاس.

<<  <   >  >>