للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأمر أَبُو بكر ابْنه عَبْد اللَّهِ أَن يتسمع مَا يَقُول النَّاس، وَأمر مَوْلَاهُ عَامر بْن فهَيْرَة أَن يرْعَى غنمه ويريحها عَلَيْهِمَا لَيْلًا، ليَأْخُذ مِنْهَا حاجتهما. ثمَّ نهضا فدخلا الْغَار، وَكَانَت أَسمَاء بنت أبي بكر تأتيهما بِالطَّعَامِ، ويأتيهما عَبْد اللَّهِ بْن أبي بكر بالأخبار، ثمَّ يتلوهما عَامر بْن فهَيْرَة بالغنم فيعفي آثارهما.

فَلَمَّا فقدته قُرَيْش جعلت تطلبه بقائف٢ مَعْرُوف، فقفا٣ الْأَثر حَتَّى وقف على الْغَار، فَقَالَ: هُنَا انْقَطع الْأَثر. فنظروا فَإِذا بالعنكبوت قد نسج على فَم الْغَار من سَاعَته، فَلَمَّا رَأَوْا نسج العنكبوت أيقنوا أَن لَا أحد فِيهِ، فَرَجَعُوا. وَجعلُوا فِي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائَة نَاقَة لمن رده عَلَيْهِم. وَقد رُوِيَ من حَدِيث أبي الدراء وثوبان:

أَن اللَّه عز وَجل أَمر حمامة فباضت على نسج العنكبوت، وَجعلت ترقد على بيضها، فَلَمَّا نظر الْكفَّار إِلَيْهَا على فَم الْغَار ردهم ذَلِك عَن الْغَار*.

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسم بْن أصبغ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ. وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ. قَالا: أَنْبَأَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ: لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا" **.

فَلَمَّا مَضَتْ لِبَقَائِهِمَا فِي الْغَارِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ أَتَاهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا وأتتهما أَسمَاء


= التستر فِي ثَوْر، وَكَانَ لَهما فَضِيلَة الإيواء وَاحْتِمَال الْخطر فِي ذَات الله بِخِلَاف ثبير فَإِنَّهُ خَافَ على نَفسه. فهذان الجبلان فازا بالكرامة وثبير طلب السَّلامَة.
١ فقدته: أَي الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢ الْقَائِف: متتبع الْأَثر.
٣ قفا: تبع.
* قلت: وَجَاء فِي الْأَثر أَن حمام الْحرم من نسل تينك الحمامتين اللَّتَيْنِ وكرتا على فَم الْغَار، فَلذَلِك احترم حمام، وَهُوَ من جنس قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} وَقيل جدهما السَّابِع، فحفظ الله الأعقاب رِعَايَة للأسلاف، وَإِن طَالَتْ الأحقاب.
** وتمادت الرافضة على الصفاقة والمكابرة، فَقَالُوا: مَا نهى أَبُو بكر عَن الْحزن إِلَّا وَهُوَ مَعْصِيّة [يشيرون بذلك إِلَى مَا جَاءَ فِي الذّكر الْحَكِيم من قَول الرَّسُول لَهُ: {لَا تحزن إِن الله مَعنا} ] وَنقض عَلَيْهِم السُّهيْلي [فِي ٢/ ٥] قَوْلهم بقول الله تَعَالَى لأنبيائه [فِي السُّهيْلي لمُحَمد] : {فَلَا يحزنك قَوْلهم} ، {وَلَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} ، وَقَالَ لمُوسَى: {خُذْهَا وَلَا تخف} وَقَالَ الْمَلَائِكَة للوط: {لَا تخف وَلَا تحزن} وَالتَّحْقِيق أَن النَّهْي إِنَّمَا يتَنَاوَل الْمُسْتَقْبل، =

<<  <   >  >>