للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[بِنَاءُ مَسْجِد رَسُول اللَّه] ١

فَبنى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجده، وَجعل عضادتيه٢ الْحِجَارَة وَسَوَارِيَهُ٣ جُذُوعَ النّخل وسقفه جريدها بعد أَن نبش قُبُور الْمُشْركين وسواها وَسوى الخرب وَقطع النّخل. وَعمل فِيهِ الْمُسلمُونَ حسبَة.

وَمَات أَبُو أُمَامَة أسعد بْن زُرَارَة فِي الْأَيَّام الَّتِي كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْنِي [فِيهَا] مَسْجده وبيوته٤، فَوجدَ٥ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجدا شَدِيدا، وَقد كَانَ كواه من ذبحة نزلت بِهِ، وَكَانَ نَقِيبًا فِي بني النجار، فَلم يَجْعَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده عَلَيْهِم نَقِيبًا٦.

مؤاخاة رَسُول اللَّه بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار رَضِي اللَّه عَنْهُم أَجْمَعِينَ ٧

وآخى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد بنائِهِ الْمَسْجِد بَين الْأَنْصَار والمهاجرين. وَقد قيل إِن المؤاخاة كَانَت، وَالْمَسْجِد يبْنى، بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار على الْمُوَاسَاة وَالْحق، فَكَانُوا يتوارثون


١ انْظُر فِي بِنَاء هَذَا الْمَسْجِد ابْن هِشَام ٢/ ١٤٠ وَابْن سعد ج١ ق٢ ص١ وصحيح البُخَارِيّ ١/ ٨٩ وَمَا بعْدهَا والطبري ٢/ ٣٩٤ وَابْن سيد النَّاس ١/ ١٩٥ وَابْن كثير ٣/ ٣١٤ والنويري ١٦ / ٣٤٤ وَقد ظلّ الرَّسُول فِي بنائِهِ من حِين نُزُوله بِالْمَدِينَةِ حَتَّى شهر صفر من السّنة الثَّانِيَة لِلْهِجْرَةِ وَبنى مَعَه مَنَازِله، وَكَانَت مَادَّة الْبناء اللَّبن. ووسعه عمر، وبناه عُثْمَان بِالْحِجَارَةِ، وتأنق الْوَلِيد بن عبد الْملك فِي بنائِهِ بالفسيفساء والرخام على مَا هُوَ مَعْرُوف مَشْهُور.
٢ عضادة الْبَاب: جَانب عتبته الْمَنْصُوب عَن يَمِين الدَّاخِل وشماله.
٣ سواري الْمَسْجِد: أعمدته.
٤ انْظُر فِي بيُوت الرَّسُول الرَّوْض الْأنف ٢/ ١٣.
٥ وجد: حزن.
٦ وَيُقَال إِن الرَّسُول قَالَ لبني النجار بعد وَفَاة أسعد: "أَنا نقيبكم" فَكَانَت من مفاخرهم.
٧ انْظُر فِي هَذِه المؤاخاة ابْن هِشَام ٢/ ١٥٠ والمحبر لِابْنِ حبيب ص٧١ وَابْن سعد ج١ ق٢ ص١ وَالْبُخَارِيّ ٥/ ٣١، ٦٩ وَابْن سيد النَّاس ١/ ١٩٩ وَابْن كثير ٣/ ٢٢٦ والنويري ١٦/ ٣٤٧.
الْمَشْهُور أَن هَذِه المؤاخاة كَانَت بعد قدوم الرَّسُول إِلَى الْمَدِينَة بِخَمْسَة أشهر، وَكَانُوا تسعين رجلا: خَمْسَة وَأَرْبَعين من الْمُهَاجِرين وَخَمْسَة وَأَرْبَعين من الْأَنْصَار، وَيُقَال كَانُوا مائَة: خمسين من الْمُهَاجِرين وَخمسين من الْأَنْصَار. وواضح من السِّيَاق أَن هَذِه المؤاخاة كَانَت على الْحق والمواساة والتوارث، وَسَيذكر ابْن عبد الْبر مؤاخاة تسبقها بَين الْمُهَاجِرين بَعضهم وَبَعض، وَكَانَت على الْحق والمواساة فَقَط دون التَّوَارُث.

<<  <   >  >>