للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: وَهَذَا الامتلاء يكون بِسَبَب صِحَة الْقُوَّة لِأَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ لِكَثْرَة الدَّم وَغَلَبَة الطبيعة قيام لطبيعة عَلَيْهِ وتنفيسها لَهُ لم يكن بُد من أَن يعفن وَلذَلِك صَار الْأَصْلَح أَن يقْصد إِلَى إِخْرَاج الدَّم لتنقى الطبيعة وَالْعُرُوق حافظة لمزاجها الطبيعي المعتدل بِبَقَاء التَّحَلُّل والتنفس لَهَا فتقوى على قهر بَاقِي الْخَلْط وإصلاحه وَالْقِيَام عَلَيْهِ لِئَلَّا يعفن كَمَا لم تزل تفعل ذَلِك.

قَالَ: فَهَذِهِ الْحمى إِن دبرهَا طَبِيب جَاهِل زَادهَا بِتَرْكِهِ استفراغ الدَّم لِأَنَّهُ إِن لم يستفرغ بَقِي عدم التَّحَلُّل والتنفس بِحَالهِ لِكَثْرَة الدَّم وَلم يعفن سَائِر أَبْوَاب العلاج شَيْئا لِأَنَّهُ إِن ذهب بِبرد ويطفئ فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ ينفع قَلِيلا فِي أول الْأَمر إِن ذهب يحقن فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ ينفع قَلِيلا فِي أول الْأَمر فَإِنَّهُ بِبرْدِهِ يحقن وَيحبس الامتلاء فِي جَوف الْبدن لِأَن الْأَشْيَاء الَّتِي تستفرغ الامتلاء كلهَا حارة فَإِن أردْت إِن تحلل الامتلاء بهَا فِي حرارة الْحمى وَإِن اطفأت الْحمى حصرت الامتلاء وأوقفته.

قَالَ: فَلَا تدع الفصد وَلَا تنظر فِي الْأَيَّام لَكِن فِي الْقُوَّة فَإِذا كَانَت الْقُوَّة ثَابِتَة فافصد فِي السَّادِس وَالسَّابِع فَقَط بل وَسَائِر الْأَيَّام وَإِن اضطررت فِي وَقت مَا إِلَى علاج مَرِيض مُمْتَنع من الفصد بجهله وفزعه وَجَهل من الْأَطِبَّاء وَلم يكن لَك بُد من علاجه فاسقه المَاء الْبَارِد بعد أَن تستقصي النّظر وَتعلم هَل يضرّهُ أم لَا وَكم مِقْدَار ضَرَره فَإِن رَأَيْت مضرته يسيرَة فاسقه مَاء بَارِد بَالغ الْبرد ومكنه أَن يشرب مِنْهُ مَا أحب أَو أَزِيد من ذَلِك بعد أَن كَانَ مُعْتَادا لَهُ وَقت الصِّحَّة وَإِن رَأَيْت المَاء الْبَارِد يضرّهُ ضَرَرا عَظِيما فتوقه وَاسْتعْمل بدله أَشْيَاء تفتح السدد وتستفرغ الامتلاء وتطفئ حرارة الْحمى.

ومضار المَاء الْبَارِد إِذا شرب فِي غير وقته وبأكثر مِمَّا يَنْبَغِي أَنه يمْنَع الأخلاط اللزجة الغليظة الَّتِي قد أورثت السدد والورم الْحَار والحمرة أَو ورماً صلباً إِن كَانَ فِي الْبَطن مرار إِن ترق وتلطف وتتحلل فَيكون الشَّارِب لَهُ سَاعَة يشربه يجد لَهُ رَاحَة عَظِيمَة لتطفئه الْحمى لَكِن لِأَنَّهُ)

يبْقى السَّبَب قَائِما ثَابتا لَا بُد أَن يثبت حمى أُخْرَى وَرُبمَا كَانَت أصعب وَأَشد من الأولى من أجل مَا يحدثه المَاء الْبَارِد من التقبض والتكاثف فِي الْبدن وَهَذِه إِحْدَى مضاره وَهِي مضرَّة عَظِيمَة لَا يَنْبَغِي أَن يتهاون بهَا وَله مضرَّة أُخْرَى وَهِي أَنه إِن كَانَ فِي الْبدن عُضْو ضَعِيف من الأَصْل أَو لسَبَب عَارض ضره المَاء الْبَارِد فقد رَأَيْت من أضرّ بمريئه حَتَّى مَنعه الازدراد إِلَّا بكد. وَآخر أضرّ بمعدته أَو بكبده أَو بالقولون أَو برئته أَو بحجابه وأضرار بكلاه ومثانته فضعف الْعُضْو الَّذِي أضرّ بِهِ عَن فعله الْخَاص بِهِ وَقوم آخر لما شربوه فِي غير وقته وبأكثر من مِقْدَاره ضَاقَ نفسهم على الْمَكَان وتشنجوا ولحقتهم رعشة وَبِالْجُمْلَةِ فَيضر فِي جنس العصب كُله.

قَالَ: وَلَا تجبن لما قلته عَن سقيه فِي مَوْضِعه فقد رَأَيْتنِي وَأَنا اسقيه فانفع بِهِ وَلَا أضرّ بل إياك أَن تسقى من فِي أَعْضَائِهِ الشَّرِيفَة ورم رخو أَو صلب وَلَا من فِي بدنه سدد وأخلاط غَلِيظَة. فَأَما مَتى رَأَيْت عَلَامَات النضج بَيِّنَة وَلم يكن ورم فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تتفقد وَاحِدَة وَهُوَ أَن لَا تكون وَلم يكن فِي الْبدن عُضْو شرِيف بَارِد المزاج يبلغ من برودته أَن يضر بِهِ المَاء الْبَارِد وَإِن كَانَ يخالطه ورم حَار فَلَا تسقه المَاء الْبَارِد حَتَّى تَنْتَهِي عَلَامَات النضج.

<<  <  ج: ص:  >  >>