للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا صحّت يوما قطّ إلّا على خلاف هذه الحال.

وممّا تهيّا له من الأسباب واتّفق له من العلل ما كان ظاهرا من رأي سعد وابن عمر في تحريم البسط والأمر بالكفّ والنهي عن حمل السلاح والإمكان من الحربة: فاجتمع له السبب الذي به يوهم موضع دم عثمان؛ فانّ سعدا، وإن كان بقيّة الشورى، فانّ الحق لا يغريه وإنّ الباطل لا يضل به؛ وعلى هذين الاصلين دار [..........] الطمع منه فيها واستجاز الطلب لها والحرص عليها.

ثمّ اتّفق أنّ جنده يمانية إلّا القليل، وجند عليّ نزاريّة إلّا القليل؛ واتّفق أن كان أهل العراق أصحاب الخواطر والنظر والتأويل والقياس، ومع هذه الصفة يكون الاختلاف إذ كانوا عربا وأعرابا وعهدهم بالجاهليّة قريب وتعظيم الرؤساء فيهم غير قديم؛ وأهل الشام هم في قلّة الخواطر والتنقير وفي قلّة الفطنة والتفتيش على خلاف ذلك؛ وكانوا ملوكا وأجناد ملوك أو قرابين ملوك، لا يعرفون إلّا طاعة الملوك والكبراء واتبّاع الرؤساء؛ وقد علمت أنه متى أطاع الجند الرئيس والرئيس يصيب الرأي، فكلّهم رئيس وكلّهم مصيب ومع الإنصاف تجتمع القوّة ويقوى الضعيف، ومع الاختلاف ينتثر الأمر وتنكبت القوّة؛ وقيل لرجل من عبس: «كيف نهضتم بالعمائر الكبار على الألوف؟» - قال: «كان لنا رئيس يصيب الرأي وكنّا له تبعا فكنّا ألف رئيس» .

وجند عليّ بن أبي طالب من ربيعة ومضر، وهم كانوا أصحاب التحارب في الجاهلية والتجاذب، وفيهم كان التحالف والتجاور، وهم كانوا أصحاب الغزو والغارات والسبي وطلب الطوائل، وأكثرهم أصحاب وبر وعمد وصحار، وأقلّهم أصحاب المدر والمحالّ، وأكثرهم أصحاب الحذر والنجعة والفقه والمواثبة [؟] ؛ ومع الحاجة يكون الطلب والحركة ومع الغناء والخصب يكون الحلم والمروّة والتثاقل عن الحركة؛ حتى كان رؤساؤهم يخرجون في الحروب والمغازي متسايرين، لكل رأس لواء ولكل سيّد معسكر؛ وما زال أصحاب التجارب

<<  <   >  >>