للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واغضت على هذا القذى وتعرضت لهذا التغيّر وكيف استنجدت وأطرقت وطايعت وسامحت حتى لم يختلف سيفان، والسيوف عتيدة، ولا اجتمعت في ذلك جماعة والخيام متقابلة.

ثمّ لم يقل فيه شاعر قصيدة واحدة ولا فخر به فاخر مرّة واحدة، فلا هؤلاء هجوا ولا هؤلاء مدحوا؛ وهل يعرف هذا من أخلاقهم وهل يظن هذا بهم؟ بل متى أغضت نزار من اليمن على مثلها؟ ولو كانت معاودة لذلك منها في جاهليّتها لما صبرت على ذاك بعد تحوّل الملك فيها والنبوّة إليها، وقد رأيناهم كيف كانوا يوم خزازى ويوم الكلاب والاخير ويوم شويحط ويوم اجتمعت تميم على زرارة ويوم اجتمعت على غزو اليمن في فكّ تميم من أيدي العباهلة والرئسان الاضبط بن قريع والنمر الحصاني، وكم قتلوا من الملوك عنوة وكم غزوا ديارهم لا يلتمسون حيا دونهم كعروة حذيفة بن زيد وحصن بن حذيفة وفلان وفلان.

واحتسبت كيف لم تتجمّد باحتمال ملالها ولم تتقرّب بذلك إلى عليّ ابن أبي طالب ولم تجنح بالورع وتدّع بغض الشرّ وكراهة الفتنة إن كان العجز قد قطعها والجبن قد خلع قلوبها. وكيف حمل على نفسه هذه الدنية وكيف [قبل] بالضغطة وكيف نزل على هذا الحكم وكيف أمكن من نفسه هذا التمكين وأغرى بها هذا الاغراء، وفي دون ذلك مرزية الأعداء وضراوة لأهل العصبيّة، وقد علم أنّ فطم العادة شديد وأنّ نزع صاحب الدربة عسير.

وقال أبو إسحق: احسبهم كانوا القاهرين والغالبين والمتحكمين المتهكمين ما خالف إلى أبي موسى وأي جمع كان هنالك من الأشعريّين وأيّ عز كان في ذلك العسكر لأهل بلده؟ وإن كان غبيا عند أصحابه مضعوفا قليل المعرفة مخدوعا، فماذا الذي اضطرّهم إليه؟ فأين كان الاشعث بن قيس؟ وأين كان سعد بن قيس؟ وأين كان عبد الله بن بديل؟ وأين كان قيس بن سعد؟ فان قلت إنّ القوم لم يرضوا إلّا بمن له صحبة، فما حدب لمعاوية هذا التحدب «على

<<  <   >  >>