للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاموال، فلم نفرط إفراط الخوارج ولم نقصّر تقصير المرجئة، ودين الله بين المقصّر والغالي، وهذا الاشتقاق، وهو التوسّط والاقتصاد، هو الاعتزال لغلوّ من غلا وتقصير من قصّر؛ والاصل الذي نبني عليه أمورنا فيمن ليس عندنا كعليّ وسابقته وأرومته وكامل خصاله بل في أدنى رجل من أوليائنا، أنّا متى وجدنا له عملا يحتمل الخطأ والصواب لم يكن لنا ان نجعل عمله خطأ، حتى يعيينا فيه وجه الصواب، وليس لنا بعد ان قضينا بانه خطأ أن نقضي بأنه خطيئة حتى يعيينا القدر بانه سليم من طريق المآثم، فان قضينا بانه إثم فليس لنا أن نقضي بانه ضلال ونحن نجد لصرف الدفع عنه أنه ضلال الى الاثم محتملا، وإن قضينا بانه ضلال فليس لنا ان نقضي بانه كفر إلّا بعد ألّا نجد من ذلك بدّا فيكون الحقّ أحقّ ما قضي به وصبر عليه.

فمن كانت- حفظك الله- هذه سيرته وطريقته في أدنى أوليائه، فكيف تظنّه في أرفع أوليائه؟ فهذا ما لا يحلّ لي أن أظنه بعليّ بن أبي طالب؛ فان كان عندك برهان واضح ودليل بيّن يكشف لنا عن الحال فيه حتى يتبيّن به انه كان سببا من إراقة دمه، فعلينا السمع واليقين والاقرار وعليك البيان والافهام بالدليل والحرص.

واعلم أنّ الرجل المخوف على الملك قد يكون محبوسا عند الملك القائم فيموت حتف أنفه: فلا يشكّ الناس أن الملك هو الذي أمر بقتله، ويموت على فراشه وفي منزله: فلا يشكّون انه قد دسّ إليه السموم وأدبّ إليه العقارب، ويموت وهو ناء عنه: فلا يشكون انه قد احتال له وتقدّم في ذلك من أمره على يدي طبيب أو خادم أو طبّاخ أو صاحب شراب على بعد داره وشطون مزاره، ولو تمنّع مكانه واشتدّ احتراسه؛ ولو قتله هبوب الريح أو صعقته صاعقة لوجدت من يقول في ذلك قولا مرغوبا عنه.

وقد قال بعض العلماء ممن تعلم: «لقد عجز عن معرفة أمر عثمان من شهده، فكيف بمن غاب عنه؟» ؛ ولو كان معاوية القائم، بزعمه، بدمه هو

<<  <   >  >>