للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالخلافة من جميع بقيّة الشورى: فأمّا سعد فلم يستحقّها قطّ لانّه كان جليسا لا يرى أن يدفع ضيما ولا يمنع حريما، وأن الدفع بالسلاح عمّن أراد السلطان بالسلاح بدعة وفسق وضلال وفجور، ولأنّه روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان آخى عليّا دون جميع الصحابة وقال له: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» ، فإن كان صادقا فهلّا روى هذه الرواية أيّام كان عليّ حيّا وهو يجاذبه الرئاسة ويأبى تقديمه الى مقام الإمامة ويزعم أنّه أحقّ بها منه ويدعوه إلى الشورى ويقول: «ما أنا بقميصي هذا أحقّ منّي بها» ؟ وهل يخلو من أن يكون في روايته كاذبا أو صادقا؟ فإن كان صادقا فقد ضلّ بامتناعه عن بيعة من هذه عنده صفته وترك تقديم من هذه الرواية فيه ومن مكانه من الرسول هذا المكان؛ وإن كان كاذبا فليس هذا النوع من الكذب من أخلاق الأئمّة ومن صفات الخلفاء، وعلى أنّ من أقرّ بأنّه قد ترك تقديم من هذه صفته، فقد أقرّ على نفسه بالمعاندة وبترك الإقرار لأهل الحق بحقّهم؛ ومتى ثبت ذلك عليه بطل خبره وردّت روايته، ومن كان مكذّبا في حديثه، فغير إمام ولا حاكم ولا شاهد، فافهم ذلك.

وأمّا طلحة والزبير، فإن كانا قد اهتديا في بيعته، فقد ضلّا في النكث عليه، وإن كانا قد ضلّا في بيعته، فما تابا من ضلالهما ولا خرجا من إدخال الشبهة على رعيّتهما، وإدخال شبهة تورث الفتنة أعظم من قتل رجل من المسلمين؛ وفي رجوع الزبير ونكوص طلحة وفيما كان من مسيرهما وتجاذبهما الإمامة فيما بينهما وتقديم أبنائهما الصلاة على النوب واختلاف أمرهما ما يدلّ على اختلاط التدبير؛ فإنّهما لم يكونا من أحلاس الخلافة ولا يتسمان لها ولا ينهضان بأعبائها، وإنّ الأمر لو أفضى إليهما ومات من ينازعهما، لكان كلّ واحد منهما أشدّ على صاحبه من العدوّ الذي مات عنه، ولو فرغا من حرب عليّ لألقيا للناس حربا أطول وفتنة أشنع وقتلا أذرع، ولو قتل كل واحد منهما صاحبه أو مات عنه حتف أنفه لجرى بين ابنيهما، إذ كان هذا يصلّي بالناس مرّة عن أبيه وهذا مرة عن أبيه، من الشرّ والمناصبة ومن القتال والمغالبة ما «هو أشنع وأفظع

<<  <   >  >>