للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغرائز، وما قسم الله تعالى لأهل كلّ جيزة من الشّكل والصّورة ومن الأخلاق واللّغة.

فإن قلت: فكيف كان أولادهما جميعا عربا مع اختلاف الأبوّة.

قلنا: إنّ العرب لما كانت واحدة فاستووا في التّربة وفي اللغة، والشّمائل والهمّة، وفي الأنف والحميّة، وفي الأخلاق والسّجيّة، فسبكوا سبكا واحدا، وأفرغوا إفراغا واحدا، وكان القالب واحدا، تشابهت الأجزاء وتناسب الأخلاط، وحين صار ذلك أشدّ تشابها في باب الأعمّ والأخصّ وفي باب الوفاق والمباينة من بعض ذوي الأرحام، جرى عليهم حكم الاتّفاق في الحسب، وصارت هذه الأسباب ولادة أخرى حتّى تناكحوا عليها، وتصاهروا من أجلها، وامتنعت عدنان قاطبة من مناكحة بني إسحاق وهو أخو إسماعيل، وجادوا بذلك في جميع الدهر لبني قحطان- وهو ابن عابر- ففي إجماع الفريقين على التناكح والمصاهرة، ومنعهما من ذلك جميع الأمم: كسرى فمن دونه، دليل على أنّ النسب عندهم متّفق، وأنّ هذه المعانى قد قامت عندهم مقام الولادة والأرحام الماسّة.

[٦- البنوي خراساني]

وزعمت أنه أراد الفرقة والتّحزيب، وأنّك أردت الألفة والتّقريب.

وزعمت أيضا أنّ البنويّ خراساني، وأنّ نسب الأبناء نسب آبائهم، وأنّ حسن صنيع الآباء، وقديم فعال الأجداد، هو حسب الأبناء. وأنّ الموالى بالعرب أشبه، وإليهم أقرب، وبهم أمسّ؛ لأن السّنّة جعلتهم منهم. فقلت: إنّ الموالي أقرب إلى العرب في كثير من المعاني؛ لأنّهم عرب في المدّعى، وفي العاقلة، وفي الوراثة. وهذا تأويل قوله «مولى القوم منهم» و «مولى القوم من أنفسهم» ، و «الولاء لحمة كلحمة النّسب» . وعلى شبيه ذلك صار حليف

<<  <   >  >>