للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشّدّة عند أوّل وهلة، وهي الدّفعة التي يبلغون بها ما أرادوا، وينالون الذي أمّلوا.

والثانية: الصّبر على الخبب وعلى طول السّرى، حتّى يصبح القوم [الذين مرقوا بهم] غارّين فيهجموا عليهم وهم بسوء، ولحم على وضم، يتعجّلونهم عن الرّويّة، وعن ردّ النفس عن النّزوة والجولة؛ لا يظنّون أنّ أحدا يقطع في ذلك المقدار من الزّمان ذلك المقدار من البلاد.

والثالثة: أنّ الخارجيّ موصوف عند الناس بأنّه إن طلب أدرك، وإن طلب فات.

والرابعة: خفّة الأزواد وقلّة الأمتعة، وأنّها تجنب الخيل وتركب البغال، وإن احتاجت أمست بأرض وأصبحت بأخرى، وأنّهم قوم حين خرجوا لم يخلّفوا الأموال الكثيرة، والجنان الملتفّة، والدّور المشيّدة، ولا ضياعا ولا مستغلّات، ولا جواري مطهّمات، و [أنهم] لا سلب لهم ولا مال معهم فيرغب الجند في لقائهم، وإنّما هم كالطّير لا تدّخر ولا تهتمّ لغد، ولها في كلّ أرض من المياه والأقوات ما تتبلّغ به، وإن لم تجد ذلك في بعض البلاد فأجنحتها تقرّب لها البعيد، وتسهّل لها الحزون. وكذلك الخوارج لا يمتنع عليهم القرى والمطعم، وإن تمنّع عليهم ففي بنات شحّاج وبنات صهّال، وخفّة الأثقال على طول الخبب، ما يسهّل أقواتها، ويكثّر من أرزاقها.

والخامسة: أن الملوك إن أرسلوا إليهم اعدادهم ليكونوا في خفّة أوزارهم وأثقالهم، وليقووا على التنقّل كقوّتهم، لم يقووا عليهم؛ لأن مائة من الجند لا يقومون لمائة من الخوارج؛ وإن كثّفوا الجيش بالجيش، وضاعفوا العدد [بالعدد] ثقلوا عن طلبهم، وعن الفوت إن طلبهم عدوّهم. ومتى شاء الخارجيّ أن يقرب منهم ليتطرّفهم أو ليصيب الغرّة منهم، أو ليسلبهم، فعل ذلك ثقة بأنّه يغنم عند الفرصة ورؤية العورة، ويمكنه الهرب عند

<<  <   >  >>