للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٥- تكبر الكتاب وادعاؤهم العلم]

ثم الناشيء فيهم إذا وطىء مقعد الرياسة، وتورّك مشورة الخلافة، وحجزت السّلّة دونه، وصارت الدواة أمامه، وحفظ من الكلام فتيقه، ومن العلم ملحه، وروى لبزرجمهر أمثاله، ولأردشير عهده، ولعبد الحميد رسائله، ولابن المقفّع أدبه، وصيّر كتاب مزدك معدن علمه، ودفتر كليلة ودمنة كنز حكمته-[ظنّ] أنّه الفاروق الأكبر في التدبير، وابن عبّاس في العلم بالتأويل، ومعاذ بن جبل في العلم بالحلال والحرام، وعليّ ابن أبي طالب في الجرأة على القضاء والأحكام، وأبو الهذيل العلّاف في الجزء والطّفرة، وإبراهيم بن سيار النظّام في المكامنات والمجانسات، وحسين النّجّار في العبارات والقول بالإثبات، والأصمعيّ وأبو عبيدة في معرفة اللغات والعلم بالأنساب. فيكون أوّل بدوه الطعن على القرآن في تأليفه، والقضاء عليه بتناقضه. ثم يظهر ظرفه بتكذيب الأخبار، وتهجين من نقل الآثار. فإن استرجح أحد عنده أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فتل عند ذكرهم شدقه، ولوى عند محاسنهم كشحه. وإن ذكر عنده شريح جرّحه، وإن نعت له الحسن استثقله، وإن وصف له الشعبيّ استحمقه، وإن قيل له ابن جبير استجهله، وإن قدّم عنده النّخعيّ استصغره.

ثم يقطع ذلك من مجلسه سياسة أردشير بابكان، وتدبير أنوشروان، واستقامة البلاد لآل ساسان.

فإن حذر العيون وتفقّده المسلمون، رجع بذكر السّنن إلى المعقول، ومحكم القرآن إلى المنسوخ، ونفى ما لا يدرك بالعيان، وشبّه بالشاهد الغائب. لا يرتضي من الكتب إلّا المنطق، ولا يحمد إلّا الواقف، ولا يستجيد منها إلا السّائر.

هذا هو المشهور من أفعالهم والموصوف من أخلاقهم.

<<  <   >  >>