للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجامعة محبة قلوب العباد، والمستقبلة بك محبّة قلوب من لا تجري عليهم نعمك. فاجعلها عدّتك وسلاحك، واجعل أمر الله ونهيه نصب عينيك.

وأحذّرك ونفسي الله والاغترار به، والإدهان في أمره، والاستهانة بعزامه، والأمن لمكره، فقد رأيت آثاره في أهل ولايته وعداوته، كيف جعلهم للماضين عبرة، وللغابرين مثلا.

واعلم أنّ خلقه كلّهم بريّته، ولا وصلة بينه وبين أحد منهم إلّا بالطاعة، فأولاهم به أكثرهم تزيّدا في طاعته، وما خالف هذا فإنّه أمانيّ وغرور.

وقد مكّن الله لك من أسباب المقدرة، ومهّد لك في تمكين الغنى والبسطة ما لم تنحله بحيلة، ولا بلغته بقوّة، لولا فضله وطوله. ولكنّه مكّنك ليبلو خبرك، ويختبر شكرك، ويحصي سعيك، ويكتب أثرك، ثم يوفّيك أجرك، ويأخذك بما اجترحت يدك أو يعفو، فأهل العفو هو.

ولله ابتلاء ان في خلقه- والأبتلاء هو الاختبار- ابتلاء بنعمة، وابتلاء بمصيبة.

وبقدر عظمها يجب التّكليف من الله عليها، فبقدر ما خوّلك من النعمة يستأديك الشّكر.

ولو تقصّى الله على خلقه لعذّبهم، ولذلك قال: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ

. ولكنّه قبل التّوبة، وأقال العثرة، وجعل بالحسنة أضعافها.

واعلم أنّ الحكم في الآخرة هو الحكم في الدّنيا: ميزان قسط، وحكم عدل. وقد قال الله تعالى: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ.

وهذا مثل ضربه الله، لأنّ الناس يعلمون أن لو وضع في إحدى كفّتي الميزان شيء ولم يك في الأخرى قليل ولا كثير، لم يكن للوزن معنى يعقل. وذلك أن أحدا من الخلق لا يخلو من هفوة زلّة أو غفلة، فأخبر أنّ من كان حسناته

<<  <   >  >>