للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو راموا جميعا «اختيار ما هو ارفع ورفض ما هو اوضع من اسم او كنية وفي تجارة وصناعة، ومن شهوة وهمة، لذهبت المعاملات وبطل التمييز، ولوقع التجاذب والتغالب، ثم التحارب، ولصاروا عرضا للتفاني واكلة للبوار» .

فالجاحظ يربط حب الاوطان مهما كانت خصائصها من الرفعة او الضعة ومن الجمال او القبح ومن الصلاح او الطلاح بمبدأ عام يرجع الى حكمة الله في خلقه، هو الطبائع التي فطر عليها الناس. وفي هذا الرأي يعبر عن فلسفة الطبيعة احسن تعبير.

وحب الاوطان هو الذي يحفز الناس على الذود عنها والقتال في سبيل استرجاعها اذا اغتصبت. والى ذلك اشارت الآية الكريمة وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا

(البقرة: ٢٤٦) .

وبما ان حب الاوطان فطرة طبيعية لذا يستوي فيها الانسان والحيوان.

ويلاحظ الجاحظ ان صاحب المنزل اذا هجر منزله واختار غيره لم يتبعه فرس ولا بغل ولا حمار ولا ديك ولا دجاجة ولا حمامة ولا هر ولا شاة ولا عصفور.

ويخصص الجاحظ قسما كبيرا من الرسالة للحديث عن مكة ولكنه يستطرد من ذكر مكة الى الكلام عن خصال قريش فخصال هاشم وهو يعترف بهذا الاستطراد المخل بالتأليف- والاستطراد سمة من سمات أسلوب الجاحظ في جميع لتبه- ويقول: «ولم يكن قصدنا في اول هذا الكتاب الى ذكر هاشم، وقد كان صدنا الاخبار عن مكة بما قد كتبناه في صدر هذا الكتاب، ولكن خصال مكة بر ذكر خصال قريش، وذكر خصال قريش جر ذكر خصال هاشم» . كما بقول انه عالج هذا الموضوع اي خصال هاشم في كتاب آخر، ذلك الكتاب هو على الارجح «فضل هاشم على عبد شمس» .

ان الخصال التي امتازت بها قريش عن سائر العرب هي رغبة جميع القبائل لانتساب اليها في حين لا نجد قرشيا انتسب الى قبيلة من قبائل العرب.

<<  <   >  >>