للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَكَانَت الأقاليم الْأَرْبَعَة منحرفة وَأَهْلهَا كَذَلِك فِي خلقهمْ وخلقهم فَالْأول وَالثَّانِي للْحرّ والسواد وَالسَّابِع وَالسَّادِس للبرد وَالْبَيَاض وَيُسمى سكان الْجنُوب من الإقليمين الأول وَالثَّانِي باسم الْحَبَشَة والزنج والسودان أَسمَاء مترادفة على الْأُمَم المتغيرة بِالسَّوَادِ

وَإِن كَانَ اسْم الْحَبَشَة مُخْتَصًّا مِنْهُم بِمن تجاه مَكَّة واليمن والزنج بِمن تجاه بَحر الْهِنْد وَلَيْسَت هَذِه الْأَسْمَاء لَهُم من أجل انتسابهم إِلَى آدَمِيّ أسود لَا حام وَلَا غَيره وَقد نجد من السودَان أهل الْجنُوب من يسكن الرّبع المعتدل أَو السَّبع المنحرف إِلَى الْبيَاض فتبيض ألوان أَعْقَابهم على التدريج مَعَ الْأَيَّام وَبِالْعَكْسِ فِي من يسكن من أهل الشمَال أَو الرَّابِع بالجنوب تسود ألوان أَعْقَابهم وَفِي ذَلِك دَلِيل على أَن اللَّوْن تَابع لمزاج الْهَوَاء قَالَ ابْن سينا أرجوزته فِي الطّلب

(بالزنج حر غير الأجسادا ... حَتَّى كسا جلودها سوادا)

(والصقلب اكْتسبت البياضا ... حَتَّى غذت جلودها بضاضا)

وَأما أهل الشمَال فَلم يسموا بِاعْتِبَار ألوانهم لِأَن الْبيَاض كَانَ لونا لأهل تِلْكَ اللُّغَة الواضعة للأسماء فَلم يكن فِيهِ غرابة يحمل على اعْتِبَاره فِي التَّسْمِيَة لموافقته واعتياده وَوجدنَا سكانه من التّرْك والصقالبة والتغرغر والخزر واللان وَالْكثير من الإفرنجة ويأجوج وَمَأْجُوج أَسمَاء مُتَفَرِّقَة وأجيالا مُتعَدِّدَة مسمين بأسماء متنوعة

وَأما أهل الأقاليم الثَّلَاثَة المتوسطة أهل الإعتدال فِي خلقهمْ وخلقهم وسيرهم وكافة الْأَحْوَال الطبيعية لإعتمار لديهم من المعاش والمساكن والصنائع والعلوم والرئاسات وَالْملك فَكَانَت فيهم النبوات وَالْملك والدول والشرائع والعلوم والبلدان والأمصار والمباني والفراسة والصنائع الفائقة وَسَائِر الْأَحْوَال المعتدلة

وَأهل هَذِه الأقاليم الَّتِي وقفنا على أخبارهم مثل الْعَرَب وَالروم وَفَارِس وَبني إِسْرَائِيل واليونان وَأهل السَّنَد والهند والصين وَلما رأى النسابون اخْتِلَاف هَذِه الْأُمَم بسماتها وشعارها حسبوا ذَلِك لأجل الْأَنْسَاب

<<  <   >  >>