للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا ظَنك بِرَجُل نقم على أهل الدولة مَا نقم من أَحْوَالهم وَخَالف اجْتِهَاده فقهاءهم فَنَادَى فِي قومه ودعا إِلَى جهادهم بِنَفسِهِ فاقتلع الدولة من أُصُولهَا وَجعل عاليها سافلها أعظم مَا كَانَت قُوَّة وَأَشد شَوْكَة وأعز أنصارا وحامية وتساقطت فِي ذَلِك من أَتْبَاعه نفوس لَا يحصيها إِلَّا خَالِقهَا قد بَايعُوهُ على الْمَوْت ووقوه بِأَنْفسِهِم من الهلكة وتقربوا إِلَى الله بِإِتْلَاف مهجهم فِي إِظْهَار تِلْكَ الدعْوَة والتعصب لتِلْك الْكَلِمَة حَتَّى علت على الْكَلم ووألت بالعدوتين من الدول وَهُوَ بِحَالَة من التقشف والحصر وَالصَّبْر على المكاره والتقلل من الدُّنْيَا حَتَّى قَبضه الله وَلَيْسَ على شَيْء من الْحَظ وَالْمَتَاع فِي دُنْيَاهُ حَتَّى الْوَلَد الَّذِي رُبمَا تجنح إِلَيْهِ النُّفُوس وتخادع عَن تمنيه فليت شعري مَا الَّذِي قصد بذلك إِن لم يكن وَجه الله وَهُوَ لم يحصل لَهُ حَظّ من الدُّنْيَا فِي عاجله وَمَعَ هَذَا فَلَو كَانَ قَصده غير صَالح لما تمّ أمره وانفسحت دَعوته {سنة الله الَّتِي قد خلت فِي عباده}

وانتصر لَهُ ابْن خلدون ثمَّ قَالَ فقد زلت أَقْدَام كثير من الْإِثْبَات والمؤرخين الْحفاظ فِي مثل هَذِه الْأَحَادِيث والآراء وعلقت بأفكارهم ونقلها عَنْهُم الكافة من ضعفة النّظر والغفلة عَن الْقيَاس وتلقوها هم أَيْضا كَذَلِك من غير بحث وَلَا روية واندرجت فِي محفوظاتهم حَتَّى صَار فن التَّارِيخ واهيا مختلطا وناظره مرتكبا وعد من مناحي الْعَامَّة فَإِذا يحْتَاج صَاحب هَذَا الْفَنّ إِلَى الْعلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات وَاخْتِلَاف الْأُمَم وَالْبِقَاع والأعصار فِي السّير والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وَسَائِر الْأَحْوَال والإحاطة بالحاضر من ذَلِك ومماثلة مَا بَينه وَبَين الْغَائِب من الْوِفَاق أَو بَين مَا بَينهمَا من الْخلاف وتعليل الْمُتَّفق مِنْهُمَا والمختلف وَالْقِيَام على أصُول الدول والملل ومبادئ ظُهُورهَا وَأَسْبَاب حدوثها ودواعي كَونهَا وأحوال القائمين بهَا وأخبارهم حَتَّى يكون مستوعبا لأسباب كل حَادث وَاقِفًا على أصُول كل خبر وَحِينَئِذٍ يعرض خبر الْمَنْقُول على مَا عِنْده من الْقَوَاعِد وَالْأُصُول فَإِن وافقها وَجرى على مقتضاها كَانَ صَحِيحا وَإِلَّا زيفه وَاسْتغْنى عَنهُ وَمَا استكبر القدماء علم التَّارِيخ إِلَّا لذَلِك حَتَّى انتحله الطَّبَرِيّ وَالْبُخَارِيّ وَابْن اسحق من قبلهمَا وأمثالهم من عُلَمَاء الْأمة

<<  <   >  >>