للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويشاء الله - وهو العليم بجبله بنب إسرائيل - كما وضح لنا بقوله تعالى:

{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} .

يشاء الله أن يجعل الأمر لإسرائيل طلسما حتى لا يحرفوا الكلم عن مواضعه، فيظهر الحق ويزهق الباطل، ويحرصوا على حماية الرسول الكريم، وهم لا يدرون. ينتظروا الرسول الكريم، لكنهم كانوا يظنون أنه إسرائيلي لا عربي، فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاب رجاؤهم وقابلوه بعدوان. كأنه اغتصب منهم النبوة والكتاب والملك.

ولنا من التاريخ الديني عبرة، والله يضرب للناس الأمثال لعلهم يهتدون، فقد شاءت إرادة القدير أن ينجي شعبه من بني إسرائيل من ظلم فرعون مصر، وأراد فرعون أن يدرأ عن نفسه ما تنبأ له به الكهنة من أنه يولد من بني إسرائيل ولد ينتزع منه السلطان، فأمر بقتل الذكور ممن يولد للإسرائيليين، حتى كان مولد سيدنا موسى عليه السلام، ويسخر الله فرعون وجنوده، لحماية هذا الوليد. وتبلغ السخرية حد القسوة، فيجعل أمانع وملجأه في بيت فرعون، ليتهذب بكل حكمة المصريين، وليعرف أسرارهم وقوتهم، وكأنه بإرادة إلهية جعله الله عيناً لإسرائيل ليتعرف على قوتهم وعتادهم. هذه هي معاملة الله لكل ماكر عنيد والله خير الماكرين. إن إسرائيل أرادت أن تطفئ النور هي معاملة إسماعيل عليه السلام لكن الله متم نوره ولو كرهوا.

فشكراً لإسرائيل. لأنهم حرصوا على سلسلة نسب الرسول الكريم في جده إسماعيل، شكراً لهؤلاء. لأنهم حرصوا على أشادوا بمجد العرب في إسماعيل عليه السلام، فأرادوا له اندثاراً، ولكن الله ثبته وثبت ملكه في حفيده الرسول الكريم، وأرادوا التنكيل به كما ورد في قوله: "اطرد هذه الجارية وابنها لأنه ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق" ولكن الله يدهم إسماعيل بالحق بقوله: "سأجعله أمة عظيمة"، ليولد منه سيد ولد عدنان محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وهكذا كان صراع بين إرادة بني إسرائيل وإرادة الله القدير العزيز، وأتى للإسرائيليين أن يغيروا مقاصد العلي الكبير، فباتوا في حسرة وندم".

{وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} ثم {بَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ}

<<  <   >  >>