للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرومانية في بادئ الأمر، لكن سرعان ما تألبوا، وعادوا جيرانهم، وتعدوا عليهم العداون الأثيم، مما اضطر جيرانيهم إلى سحقهم، وتشتيتهم في بقاع الأرض.

وهنا يتجلى الخطأ الذي تردوا فيه، لقد ظنوا أنهم امتلكوا الأرض بقوتهم واقتدارهم، ونسوا الله الذي أراد أن يورثها لهم، فلما عاندوا وتمردوا سلمهم للهزيمة والسحق، وأنذرهم نبيهم إرمياً بهذا القول: "ويعبر أمم كثيرة في هذه المدينة ويقول الواحد لصاحبه: لماذا فعل الرب مثل هذا لهذه المدينة العظيمة؟ فيقولون: من أجل أنهم تركوا عهد الرب إلههم، وسجدوا لآلهة أخرى وعبدوها".

لقد أنذرهم ذلك النبي ٧٢٢ ق. م. بهذا المصير، ولم يرع بنو إسرائيل الحق ولا الأمانة، فكان قول الله عنهم:

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}

ولما تبين لليهود عقم العنف في تحقيق غاياتهم في السيطرة ركنوا إلى الخيال يستلهمونه حل مشكلة الحفاظ على كيانهم المهدد بالزوال، فكان أن بث الأحبار في نفوس اليهود أنهم شعب الله المختار، وأن العالم يتألف من أشتات الناس مقدراً لهم الخضوع لسيطرتهم في نهاية المطاف.

وأخذوا يتشبثون بأهداب الآمال العريضة في مولد ملك من نسل داود، يخلصهم من نير الرومان، ويتسلط على الأرض، ويمتلكون معه، ويقيم لهم إمبراطورية كونية قاعدتها أورشليم "بيت المقدس" ويجعل منهم العنصر الحاكم، وأطلقوا على المخلص المرتقب اسم المسيح، والمسيح لقب ظهر في التوراة يوم مسح شاول بن قيس ملكاً على إسرائيل، ففي يوم تتويجه صبوا على رأسه ذهناً، ومسحوه به، وبهذا سمي مسيح الله، أي الذي مسحه الله بدهن الابتهاج، كعلامة الرضا والتأييد، وأطلقوا على المسيح بن مريم المخلص، أي يسوع، وهي كلمة يونانية تفيد معنى: المخلص، وكلمة يسوع مع تحوير بسيط نطقها نحن المسلمين عيسى.

<<  <   >  >>