للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك ما أخرجه البخاري وأبو داود، والترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بشريك بن سحماء، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "البينة أو حد في ظهرك".

ومن المعلوم أن القرآن الكريم نص قبل هذه الحادثة على أن البينة التي تثبت بها جريمة الزنا هي أربعة شهود، وهو قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ١.

ومن ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اختصم إليه الأشعث بن قيس مع آخر في بئر، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "بينتك أو يمينه" وفي رواية أخرى في نفس الواقعة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال له: "شاهداك أو يمينه"، وهذا يعد تفسيرا للفظ البينة الوارد في الرواية الأولى٢. ولو لم يكن معنى


١ سورة النور، الآية رقم ٤.
٢ في كثير من الأحاديث الشريفة تختلف ألفاظ الرواة عن الواقعة الواحدة، لكنها جميعا تتفق في المعنى، كهذا الحديث الذي معناه، فرواية تقول إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينتك أو يمينه" ورواية أخرى تقول إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "شاهداك أو يمينه" وهو نفس معنى الرواية الأولى.
وهذا دليل على جواز رواية الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمعنى؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- قد نقلوا القضية الواحدة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بألفاظ مختلفة.
لكن يحسن هنا أن ننبه إلى أن علماءنا رضي الله عنهم -احتياطا منهم في جانب السنة الشريفة- لم يجيزوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمعنى إلا لمن كان خبيرا بالألفاظ في لغة العرب، ومقاصدها، عالما بما تختلف به دلالتها، فإن لم يكن الشخص على هذا المستوى العلمي لم يجز له أن يروي حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمعنى.
كما يحسن هنا أن ننبه أيضًا إلى أن العلماء بينوا أن جواز الرواية بالمعنى بالشرط المذكور إذا كانت الرواية بالمعنى في غير المصنفات المخصصة لرواية الحديث، وأما المصنفات الحديثية فقد بيّن العلماء أنه لا يجوز التغيير فيها وإن كان موافقا للمعنى، حفاظا على الحديث من أي نوع من التغيير.

<<  <   >  >>