للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا المعنى يقول ابن السبكي أحد كبار فقهاء الشافعية: "من الكلمات الدائرة -في الفقه والأصول- أن الجرح مقدم على التعديل، لم يستثن أكثر الأصحاب من هذا إلا إذا قال المعدل: عرفت السبب الذي ذكره الجارح لكنه تاب منه، وحسنت حالته، قالوا: فتقدم بينة التعديل؛ لأن معها زيادة علم. لكنهم وإن لم يصرحوا باستثناء عين هذه الصورة، فقد صرحوا بمأخذ المسألة الذي يدور معه حكم تقديم الجرح على التعديل والتعديل على الجرح، فإنهم قالوا -على اختلاف طبقاتهم- إن الجارح إنما قدم لما عنده من الزيادة على ما خفي على المعدل؛ وذلك لأن المعدل يبني على ما هو الأصل الظاهر من حال المسلم، والجارح اطلع على ما نسخ ذلك الأصل ونقل عنه"١.

هل يقبل الجرح والتعديل من واحد:

العلماء في هذا على رأيين:

الأول: يرى أنه يقبل الجرح والتعديل من واحد، وهو ما يراه أبو حنيفة، ورواية عن أحمد، واختاره بعض فقهاء الحنابلة.

الثاني: يرى أنه لا يقبل الجرح والتعديل إلا من اثنين على الأقل، وهو ما يراه مالك والشافعي، وجمهور فقهاء الحنابلة، ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وابن المنذر.

وقد استدل للرأي القائل بقبول الجرح والتعديل من واحد بأن الجرح أو التعديل خبر لا يعتبر فيه لفظ الشهادة، فيكون مقبولا من واحد، كما هو الحال في رواية الحديث، فإنها تقبل من الواحد.

وأما الرأي القائل بعدم قبول الجرح والتعديل إلا من اثنين فقد استدل له بأن الجرح أو التعديل إثبات صفة ممن يبني القاضي حكمه على صفته, فاعتبر فيه العدد كالشهادة.

وقد رد أصحاب هذا الرأي على الاستدلال للرأي المقابل بقياس الجرح والتعديل على رواية الحديث, بأن الجرح والتعديل يخالف الرواية، فإنها مبنية على المساهلة, ولذلك قبلت من الواحد، ولم يسلموا بأن الجرح والتعديل لا يحتاج إلى لفظ الشهادة، وقالوا: بل يجب لفظ الشهادة فيهما٢.


١ الأشباه والنظائر، لابن السبكي، ج١، ص٤٤٤.
٢ المغني، ج١١، ص٤٢١، ومغني المحتاج، ج٤، ص٣٨٨، والاختيار لتعليل المختار، ج٢، ص١٩٨.

<<  <   >  >>