للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التباين في تكوين الهوية:

كنا نناقش تكوين الهوية كما لو كانت موحدة بصورة نسبية، فإما أن ينجح المراهق في تكوينها أو يفشل، والحقيقة فإن الموضوع أكثر تعقيدا وتركيبا من ذلك, فأنماط تكوين الهوية قد تتباين بدرجة كبيرة بين مجموعة معينة من المراهقين، أو مجموعات من المراهقين، نتيجة لعديد من التأثيرات تتراوح من علاقات الوالدين بالطفل إلى الضغوط الثقافية، أو ضغوط الثقافات الفرعية بالإضافة إلى معدلات التغير الاجتماعي, ففي المجتمع البدائي حيث يوجد فقط عدد محدد من الأدوار الممكنة للمراهقين، وحيث أن التغير الاجتماعي الذي يحدث يكون طفيفا من جيل إلى آخر، فإن تكوين الهوية قد يكون مهمة سهلة نسبيا يمكن إنجازها بسرعة، وعلى النقيض من ذلك ما يحدث في المجتمعات المتقدمة سريعة التغير، حيث يوجد عديد من الاختيارات والفرص حينئذ قد يكون تكوين الهوية مهمة عسيرة وطويلة، وحتى داخل نطاق مجتمع معين فإن الهويات قد تكون متماثلة أو متغايرة، فالفرد قد يبحث عن الأدوار الشخصية والاجتماعية والمهنية التي من المتوقع أن تدعم بواسطة المجتمع,

والبحث عن الهوية قد يحدث ويتبلور في فترة مبكرة أو يمتد إلى ما لا نهاية، ولقد عبر أريكسون عن ذلك بقوله: إن بلورة الهوية عبارة عن تعطيل في عملية تكوين الهوية، فإنها تثبت غير ناضج لصورة الذات عند فرد ما، ولهذا فإنها تتداخل مع نمو قدرات وإمكانات أخرى لتحديد مفهوم الذات لدى الفرد، وبالتالي نجد الفرد لا يظهر كل ما يستطيع أن يكون عليه، فالمراهقون الذين يواجهون بعدد كبير جدا من الاختيارات يمرون خلال فترة طويلة باختلاط أو تشوش هويتهم عندما لا يستطيعون أن يقرروا من هم؟ وماذا يريدون أن يكونوا عليه؟

وفي بعض الحالات، نجد أن مشكلة تحديد الهوية تحل إلى حد كبير عن طريق عدد من المحاولات والخطأ، وقد ينتج أحيانا هوية ليست محددة بوضوح واتساق وتتسم بالكلية فقط ولكنها أيضا تتسم بالجدية والغنى والتنوع في مصادرها, وفي بعض حالات أخرى نجد الفرد لا ينمي إحساس محدد واضح لهوية الأنا، وبالتالي تظهر لديه أزمة مرضية طويلة للهوية، ولا يحقق أي ولاءات أو ارتباطات متناسقة, وتدعم الدراسات ذلك, إذ تشير أن كثيرا من المراهقين والشباب الذين يعانون من انتشار أو خلط لهويتهم، عادة ما يكونون غير راضين عن طريقة آبائهم

<<  <   >  >>