للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عاد إبراهيم بزوجته وجاريتها هاجر إلى الشام، ونزل قريبا من مكان بيت المقدس، وكانت سارة عقيما؛ ولذا وهبت جاريتها هاجر لإبراهيم لتلد له، فلما حملت وولدت إسماعيل تألمت سارة وغارت منها، وطلبت من إبراهيم أن يسكنها وولدها بعيدا عنها، فأخذ إبراهيم هاجر وولدها إسماعيل، وتركهما في مكان صحراوي لا شيء فيه، حدده الله له، وهو المكان الذي نشأت فيه مكة بعد ذلك.

وإبراهيم -عليه السلام- يعرف بـ "أبي الأنبياء"؛ لأن الله تعالى جعل في ذريته النبوة والكتاب، إذ انحصر النور في ذريته، وانقسم إلى قسمين: قسم ذهب إلى هاجر فولدت ابنه إسماعيل -عليه السلام- ومنه تناسل العرب, ومن ولد إسماعيل جاء خاتم الرسل محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد كان صلى الله عليه وسلم أشبه الخلق بجده إبراهيم -عليه السلام- يقول صلى الله عليه وسلم: "رأيت ليلة أُسري بي أبي إبراهيم, وأنا أشبه ولده به" ١.

والقسم الثاني ذهب إلى سارة, فولدت إسحاق -عليه السلام- ومن إسحاق ولد يعقوب -عليه السلام- وهو "إسرائيل" وذريته هم بنو إسرائيل، ومنهم كان أنبياء بني إسرائيل جميعا.

وهكذا انحصرت النبوة في ذرية إبراهيم, عليه السلام ...

ونظرا لفضل إبراهيم -عليه السلام- ادعى كل قوم جاءوا بعده، أنهم على ملته، وأنهم أولى الناس به، يروي ابن عباس أنه: "اجتمع عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وفد نصارى نجران وعدد من أحبار اليهود، فتنازعوا في إبراهيم، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، ونحن أولى الناس به، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، ونحن أولى الناس به، فأنزل الله قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} ٢".


١ صحيح البخاري بشرح فتح الباري ج٦ ص٤٢٨، باب: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} .
٢ سورة آل عمران آية: ٦٥.

<<  <   >  >>