للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الركيزة الثانية: الثقة المطلقة في الله]

حينما تشتد الخطوب، ويكثر البلاء، ويجد الداعية نفسه وحيدا، فريدا، عليه أن يركن إلى الله تعالى، ويستجير بمعونته ونصره، فهو سبحانه القادر على كل شيء، وبيده مقاليد السموات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، وهو سبحانه يقلب الليل والنهار، بما يشاء وبما يريد.

إن الثقة في الله تملأ القلب قوة، وتشحن النفس بالشجاعة والإقدام، وتجعل العقل يتيقن بما عند الله أكثر من يقينه مما في يد نفس صاحبه.

إن الصدق في الإيمان هو الذي يجعل المؤمن يقدم على الموت في سبيل الله ثقة بوعد الله تعالى١.

وهو الذي يجعل المؤمن يلازم الطاعة الخالصة، والدنيا من حوله تموج بالفتن، وتدعو إلى الضلال والهوى.

إن الدعاة إلى الله أجراء عند الله، أينما كانوا وحيثما حلوا, وكيفما أرادهم سيدهم أن يعملوا عملوا، وليس عليهم بعد ذلك التطلع إلى المصير.

وكذلك لم يكن عجيبا عند العقلاء ما نراه من أنبياء الله تعالى، وهم يستمرون في الدعوة إلى الله، بلا أتباع، وبلا أنصار من الناس؛ لأنهم اتبعوا ربهم، وانتصروا به وحده سبحانه وتعالى.

وأيوب -عليه السلام- مَثَل أعلى في هذه الثقة، لم يذهب إلى طبيب يعالجه، ولم يلتمس طريقا يشفيه، ولما أراد الله له النجاة والشفاء أخذه إليه، فناداه قائلا: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ، وحينئذ أمره بالاغتسال في الماء الذي نبع له بعد أن ضرب الأرض بقدمه، وأعاد له ما أخذ منه، من أهل ومال، ومثله معه.


١ لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صور رائعة في مجال التسابق للشهادة والجهاد والموت في سبيل الله تعالى.

<<  <   >  >>