للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الركيزة الثالثة: الأخذ بالأسباب المشروعة]

ليس بعيدا على الله أبدا أن يتم شفاء أيوب بلا عمل منه، لكن الله تعالى أمره أن يضرب الأرض بقدمه؛ لينبع الماء، ويغتسل منه ويشرب، وبذلك يزول ما ببدنه وباطنه من أذى.

لقد أمره الله تعالى بذلك ليتعلم هو والآدميون من بعده، أن الله تعالى يجري أقداره على أسباب يقوم بها الناس، حتى لا يتكلوا، فكأنه استعمل الدواء، فأشفاه الله من الداء، وصارت سنة في الناس أن يأخذوا بالأسباب، متوكلين على الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عباد الله تداووا؛ فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء" ١.

ومن الأخذ بالأسباب قول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} ٢. إن الله تعالى قادر على أن ينصر رسوله بـ "كن" ولكنه أجرى النصر على الأسباب، فهيأ طائفة من المؤمنين يؤيدون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وينصرونه، وحتى يعلم المسلمون على طول الزمن أن الإسلام يحتاج إلى جهد المسلمين، وصدقهم في الدفاع عنه.

وبالنظر في تاريخ الدعوة، نرى جريان القدر الإلهي على الأسباب البشرية غالبا, حتى لا يتكل الناس.

فالمجتهد يفوز، والكسول يخبو، والساعي إلى الحق يصل إليه ...

ومن الأخذ بالأسباب ومراعاة الواقع ما نراه من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه, فلقد أنكر عليه ابنه عبد الملك عدم إسراعه في إزالة الانحراف مرة واحدة, قال له: لا تعجل يا بني, فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة، وإني


١ سنن الترمذي, باب ما جاء في الدواء ج٤ ص٣٨٣، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
٢ سورة الأنفال آية: ٦٢.

<<  <   >  >>