للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١- استعلاء السلطة:

اصطدم الأنبياء أثناء دعوتهم بالولاة الذين يتولون شئون الناس، وقد رأينا مواجهتهم لعدد من الأنبياء، فقد واجه النمرود بن كنعان ملك الكلدانيين إبراهيم عليه السلام وواجه فرعون موسى عليه السلام وكان لعزيز مصر موقف مع يوسف عليه السلام.

توضح هذه المواقف أن الملوك والأمراء، يعملون لتدعيم موقفهم، مع أقوامهم، وتقوية أركان حكمهم، والمحافظة على مصالحهم الشخصية بكل ما أمكنهم من وسائل.

وقد وصل بهم الأمر إلى إعلان أنفسهم آلهة للناس، كما فعل النمرود، وكما كان فرعون، وحتى يمكنوا هذا الإعلان عند الناس، وجدناهم ينشرون أعوانهم في المدائن، لتوجيه الناس، والتأثير في الرأي العام.

وحتى يتأكدوا من قيام الأعوان بما كلفوا به، أغدقوا عليهم مالا وجاها، وقربوهم إليهم، وجعلوهم من خاصتهم، ومستشاريهم،.... فلما جاء الأنبياء بدعوتهم، وبلغوها للأمراء، والقادة علموا أن الإيمان بدعوة النبي، يتعارض مع وضعيتهم بين الناس، ولذلك قاوموا الدعوة، وأشاعوا بين الناس الأكاذيب عن الأنبياء، ودعواتهم، لصرف الناس عن الحق.

وموقف الرؤساء من الدعوة، يرجع في تصوري لأسباب عديدة، من أهمها:

١- الإحساس بالقوة الناشئة من تحكمهم في البلاد والعباد، من غير منازع من الناس.

٢- وضع كل المقدرات المادية تحت تصرفهم حيث اعتبروا أنفسهم ملاكا لها، ومن أقوال فرعون ما حكاه الله تعالى عنه: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} ١.

وفي مقالة فرعون بيان لغروره بقوته، واستعلائه بما ملكه، وتحكم فيه ... يبين الإمام القرطبي أن فرعون أظهر أمره للناس ليصرفهم عن موسى فينادي هو، ويأمر بمن ينادي بذلك في الأقاليم لتوضيح أنه يملك مصر بلا منازع، كما تملك أنهارها، وأرضها، وكل ما فيها، يتصرف فيها كما يريد، ويشاء٢.


١ سورة الزخرف آية "٥١".
٢ انظر تفسير القرطبي ج١٥ ص٩٨، ٩٩.

<<  <   >  >>