للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: قد، والله، سمعت تغريد الأطيار بالأسحار على أفنان الأشجار، وسمعت [خفق] أوتار العيدان، وترجيع أصوات القيان، فما طربت من صوت قطّ طربى من ثناء حسن، على رجل قد أحسن، ومن شاكر منعم، ومن شفاعة شفيع محتسب لطالب ذاكر فقال أبو الهيثم: فقلت له: لله أبوك! لقد حشيت كرما! فبأى شىء سهلت عليك المعاودة والطلب؟ قال: لا أبلغ المجهود، ولا أسأل إلا ما يجوز، وليس صدق العذر بأكره إلىّ من إنجاز الوعد، ولست لإكراه السائل بأكره منى لإجحاف المسئول، ولا أرى الراغب أوجب حقا علىّ للذى قدم من حسن ظنه من المرغوب إليه للذى احتمل من كله. قال إبراهيم: ما سمعت كلاما قطّ أشدّ مؤالفة لموضعه، ولا أليق بمكانه، من هذا الكلام.

[[بين عميلة الفزارى وأسيد بن عنقاء]]

وروى أبو بكر بن شقير النحوى عن أحمد بن عبيد قال:

كان أسيد بن عنقاء الفزارى من أكبر أهل زمانه «١» ، وأشدّهم عارضة ولسانا، وطال عمره، ونكبه دهره؛ فاختلّت حاله، فخرج يتبقل «٢» لأهله؛ فمرّ عليه عميلة الفزارى، فسلم عليه، وقال: يا عم؛ ما أصارك إلى ما أرى؟ قال: بخل مثلك بماله، وصون وجهى عن مسألة الناس. قال: أما والله لئن بقيت إلى غد لأغيرنّ من حالك ما أرى، فرجع ابن عنقاء إلى أهله فأخبرهم بما قال عميلة، فقالوا له: غرّك كلام غلام جنح ظلام فكأنما ألقموا فاه حجرا؛ فبات متململا بين رجاء ويأس، فلما كان السّحر سمع رغاء الإبل، وثغاء الشاء، وصهيل الخيل، ولجب الأموال، فقال: ما هذا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>