للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاق، وشقيق مشاقّ، ودى رحم أصبح لها قاطعا، [ولأهله فاجعا] ، وقريب قوم قد قلّدهم عارا، وناط بهم شنارا، فلا لوم على ترك التعزية عنه، وأحر بها أن تستحيل تهنئة بالراحة منه؛ وربّ مال صامت غير ناطق، قد كان صاحبه به مستظهرا، وله مستثمرا، فالفجيعة به إذا فقد موضوعة موضعها، والتعزية عنه واقعة منه موقعها. وقد بلغنى أن القاضى أصيب بثور كان له، فجلس للعزاء عنه شاكيا، وأجهش عليه باكيا، والندم عليه والها «١» ، وحكيت عنه حكايات فى التأبين له، وإقامة النّدبة عليه، وتعديد ما كان فيه من فضائل البقر التى تفرقت فى غيره، واجتمعت فيه وحده؛ فصار كما قال أبو نواس، فى مثله من الناس:

ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم فى واحد

لأنه يكرب الأرض مغمورة «٢» ، ويثيرها مزروعة، ويرقص فى الدواليب ساقيا وفى الأرحاء طاحنا، ويحمل الغلّات مستقلا، والأثقال مستخفّا؛ فلا يؤوده عظيم، ولا يعجزه جسيم، ولا يجرى فى الحائط»

مع شقيقه، ولا فى الطريق مع رفيقه، إلا كان جلدا لا يسبق، ومبرّرا لا يلحق، وفائتا لا ينال شأوه وغايته، ولا يبلغ مداه ونهايته. ويشهد الله أنّ ما ساءه ساءنى، وما آلمه آلمنى، ولم يجز عندى فى حق ودّه استصغار خطب جلّ عنده، فأرقه وأمضّه وأقلقه، ولا تهوين صعب بلغ منه وأرمضه، وشفّه وأمرضه؛ فكتبت هذه الرقعة، قاضيا بها من الحق فى مصابه هذا بقدر ما أظهر من إكباره إياه، وأبان من إعظامه له؛ وأسأل الله تعالى أن يخصّه من المعوضة بأفضل ما خص به البشر، عن البقر، وأن يفرد هذه البهيمة العجماء بأثرة من الثواب، يضيفها إلى المكلّفين من أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>