للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: يا أمير المؤمنين، حملتنى على غير الجدد: هيبة الخلافة، ووحشة الغربة، وروعة المفاجأة، وجلالة المقام، وصعوبة البديهة، وشرود القوافى، على غير الرويّة، فليمهلنى أمير المؤمنين حتى يتألّف نافر القول.

فقال الرشيد: لا عليك ألّا تقول؛ قد جعلت اعتذارك عوض امتحانك.

فقال: يا أمير المؤمنين؛ نفّست الخناق، وسهّلت ميدان السباق، ثم قال:

بنيت بعبد الله بعد محمد ... ذرى قبّة الإسلام فاخضرّ عودها

هما طنباها بارك الله فيهما ... وأنت- أمير المؤمنين- عمودها

فقال الرشيد: وأنت بارك الله فيك، سل ولا تكن مسألتك دون إحسانك فقال: الهنيدة يا أمير المؤمنين «١» ! فأمر له بها، وبخلع نفيسة، وصلة جزيلة.

[[كاتب الحجاج عند سليمان بن عبد الملك]]

دخل يزيد بن أبى مسلم كاتب الحجاج على سليمان بن عبد الملك، فازدراه ونبت عينه عنه، فقال: ما رأت عينى كاليوم قطّ، لعن الله امرأ أجرّك رسنه، وحكّمك فى أمره. فقال: يا أمير المؤمنين، لا تقل ذلك؛ فإنك رأيتنى والأمر عنى مدبر، وعليك مقبل؛ فلو رأيتنى والأمر علىّ مقبل، وعنك مدبر، لاستعظمت منى ما استصغرت، واستكبرت ما استقللت.

قال: عزمت عليك يابن أبى مسلم لتخبرنّى عن الحجاج، أتراه يهوى فى جهنم أم قد قرّ بها؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لا تقل هذا فى الحجاج، وقد بذل لكم النصيحة، وأمّن دولتكم، وأخاف عدوّكم، وكأنى به يوم القيامة وهو عن يمين أبيك، ويسار أخيك، فاجعله حيث شئت.

فقال له سليمان: اعزب «٢» إلى لعنة الله! فخرج، فالتفت سليمان إلى جلسائه

<<  <  ج: ص:  >  >>