للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعقل، وأعطى من فضل، وواسى من كفاف، وأعان على عفاف.

[[ذل السؤال]]

قال أبو بكر الحنفى: حضرت مسجد الجماعة بالكوفة، وقام سائل يتكلّم عند صلاة الظهر ثم عند العصر والمغرب، فلم يعط شيئا، فقال: اللهم إنك بحاجتى عالم غير معلّم، واسع غير مكلّف، وأنت الذى لا يرزؤك نائل، ولا يحفيك «١» سائل، ولا يبلغ مدحتك قائل، أنت كما قال المثنون، وفوق ما يقولون، أسألك صبرا جميلا، وفرجا قريبا، ونصرا بالهدى، وقرّة عين فيما تحب وترضى، ثم ولّى لينصرف، فابتدره الناس يعطونه، فلم يأخذ شيئا، ثم مضى وهو يقول:

ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... عوضا، ولو نال الغنى بسؤال

وإذا السؤال مع النوال وزنته ... رجح السؤال وخفّ كلّ نوال

[[من مقامات بديع الزمان]]

ومن مقامات الإسكندرى إنشاء البديع: حدّثنا عيسى بن هشام قال:

كنت فى بلاد الأهواز، وقصاراى لفظة شرود أصيدها، أو كلمة بليغة أستفيدها؛ فادّانى السير إلى رقعة [من البلاد] فسيحة، وإذا هناك قوم مجتمعون على رجل يستمعون إليه وهو يخبط الأرض بعضا على إيقاع لا يختلف، وعلمت أنّ مع الإيقاع لحنا، ولم أبعد لأنال من السماع حظّا، أو أسمع من البليغ لفظا، فما زلت بالنظّارة، أزحم هذا وأدفع ذاك، حتى وصلت إلى الرجل، وصرفت الطرف منه إلى حزقّة كالقرنب «٢» ، مكفوف فى شملة من صوف، يدور كالخذروف «٣» ، متبرنسا بأطول منه، معتمدا على عصا فيها جلاجل، يضرب الأرض بها على إيقاع غنج، ولفظ هزج، من صدر حرج، وهو يقول:

يا قوم قد أثقل دينى ظهرى ... وطالبتنى طلّتى بالمهر «٤»

<<  <  ج: ص:  >  >>