للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإصلاح أمر المعاد، بإعداد الزّاد، فلم أر طريقا أهدى إلى الرشاد مما أنا سالكه، يرانى أحدكم راكب فرس وهوس «١» ، فيقول: هذا أبو العجب، لا، ولكنى أبو العجائب، عاينتها وعانيتها، وأمّ الكبائر قايستها وقاسيتها، وأخو الأعلاق، صعبا أخذتها، وهونا أضعتها، وغاليا اشتريتها، ورخيصا بعتها؛ فقد والله صحبت لها المواكب، وزاحمت المناكب، ورعيت الكواكب، وأنضيت الركائب، ولا منّ عليكم، فما حصلتها إلا لأمرى، ولا أعددتها إلّا لنفسى، لكنى دفعت إلى مكاره نذرت معها ألّا أدخر عن المسلمين نفعها، ولا بدّ لى أن أخلع ربقة هذه الأمانة من عنقى إلى أعناقكم، وأعرض دوائى هذا فى أسواقكم، فليشتره منى من لا يتقزّز من موقف العبيد، ولا يأنف من كلمة التوحيد، وليصننه من أنجبت جدوده، وسقى بالماء الطّاهر عوده.

قال عيسى بن هشام: فدرت إلى وجهه لأعلم علمه، فإذا شيخنا أبو الفتح الإسكندرى، وانتظرت إجفال النعامة بين يديه، ثم تعرّضت فقلت: كم يحلّ دواءك هذا؟ قال: يحلّ الكيس ما مست الحاجة؛ فانصرفت وتركته.

ومن إنشائه فى هذا الباب: حدّثنا عيسى بن هشام قال: بينا أنا بمدينة السلام، قافلا من البيت الحرام «٢» ، أميس ميس الرّجلة «٣» ، على شاطىء الدّجلة، أتأمّل تلك الطرائف، وأتقصّى تلك الزخارف، إذ انتهيت إلى حلقة رجال مزدحمين، يلوى الطّرب أعناقهم، ويشقّ الضحك أشداقهم، فساقنى الحرص إلى ما ساقهم، حتّى وقفت بمسمع صوت رجل دون مرأى وجهه، لشدّة الهجمة، وفرط الزّحمة، وإذا هو قرّاد يرقص قرده، ويضحك من عنده، فرقصت رقص المحرج، وسرت سير الأعرج، فوق أعناق الناس، يلفظنى عاتق هذا لسرّة ذاك، حتى افترشت لحية رجلين، وقعدت بين اثنين، وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>