للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلان مشرفى المشرق، وصيرفىّ المنطق. البيان أصغر صفاته، والبلاغة عفو خطراته. كأنما أوحى بالتوفيق إلى صدره، وحسن الصواب بين طبعه وفكره.

فلان يحزّ مفاصل الكلام، ويسبق فيها إلى درك المرام، كأنما جمع الكلام حوله حتى انتقى منه وانتخب، وتناول منه ما طلب، وترك بعد ذلك أذنابا لا رءوسا، وأجسادا لا نفوسا.

فلان يرضى بعفو الطّبع، ويقنع بما خفّ على السمع، ويوجز فلا يخلّ، ويطنب فلا يملّ، لله فلان أخذ بأزمّة القول يقودها كيف أراد، ويجذبها أنّى شاء، فلا تعصيه بين الصّعب والذّلول، ولا تسلمه عند الحزونة والسّهول، كلامه يشتدّ مرّة حتى تقول الصّخر الأملس، ويلين تارة حتى تقول الماء أو أسلس، يقول فيصول، ويجيب فيصيب، ويكتب فيطبّق المفصل، أو ينسّق الدرّ المفصّل، ويرد مشارع الكلام وهي صافية لم تطرق، وجامّة لم ترنّق «١» ، خاطره البرق أو أسرع لمعا، والسّيف أو أحدّ قطعا، والماء أو أسلس جريا، والفلك أو أقوم هديا؛ هو ممن يسهل الكلام على لفظه، وتتزاحم المعانى على طبعه، فيتناول المرمى البعيد بقريب سعيه، ويستنبط المشرع العميق بيسير جريه، لسانه يفلق الصّخور، ويغيض البحور، ويسمع الصّم، ويستنزل العصم «٢» ، خطيب لا تناله حبسة، ولا ترتهنه لكنة، ولا تتمشّى في خطابه رنة، ولا تتحيّف بيانه عجمة، ولا تعترض لسانه عقدة.

فلان رقيق الأسلة، عذب العذبة «٣» لو وضع لسانه على الشعر حلقه، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>