للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودخل الرشيد على المأمون وهو ينظر في كتاب، فقال: ما هذا؟ فقال:

كتاب يشحذ الفكرة، ويحسن العشرة. فقال: الحمد لله الذى رزقنى من يرى بعين قلبه أكثر مما يرى بعين جسمه.

وقيل لبعض العلماء: ما بلغ من سرورك بأدبك وكتبك؟ فقال: هى إن خلوت لذّتى، وإن اهتممت سلوتى، وإن قلت: إنّ زهر البستان، ونور الجنان، يجلوان الأبصار، ويمتعان بحسنهما الألحاظ؛ فإن بستان الكتب يجلو العقل، ويشحذ الذّهن، ويحيى القلب، ويقوّى القريحة، ويعين الطبيعة، ويبعث نتائج العقول، ويستثيرد فائن القلوب، ويمتع في الخلوة، ويؤنس في الوحشة، ويضحك بنوادره، ويسرّ بغرائبه، ويفيد ولا يستفيد، ويعطى ولا يأخذ، وتصل لذّته إلى القلب، من غير سآمة تدركك، ولا مشقة تعرض لك.

وقال أبو الطيب المتنبى:

وللسّرّ منّى موضع لا يناله ... نديم، ولا يفضى إليه شراب

وللخود منى ساعة، ثم بيننا ... فلاة إلى غير اللقاء تجاب «١»

وما العشق إلّا غرّة وطماعة ... يعرّض قلب نفسه فيصاب

وغير فؤادى للغوانى رميّة ... وغير بنانى للرّخاخ ركاب «٢»

تركنا لأطراف القنا كلّ لذّة ... فليس لنا إلّا بهنّ لعاب «٣»

نصرّفه للطّعن فوق سوابح ... قد انقصفت فيهنّ منه كعاب «٤»

أعزّ مكان في الدّنا سرج سابح ... وخير جليس في الزّمان كتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>